التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بقلم الرائع أ/فوزي نجاجرة////


مع محبتي لكل متابعي حلقات رواية ستشرق الشمس ثانية ، اليكم الحلقة رقم (١١) اتمنى لكم قراءة ممتعة :
في الأُسبوعِ التالي، شهدَ يومُ الثلاثاء فرحَنا، عجنَت النساءُ الحِناءَ، وحضَر الأَقاربُ، وابتدأت النساءُ مراسمَ الفرح بالغناءِ والرقص، وفي عصرية اليوم التالي؛ أَي يوم الأَربعاء، وبحسب العادات المتبعةِ في قريتنا؛ توجهنا قبل مغيب الشمس إِلَى منزلِ والدِ عروسِي مسعدة، لحفلةِ الحناء، رجالًا ونساءً، استقبلَنا الحاجُّ ياسين العراقي، وبعضُ أَقاربِه، جلس الرجال في ساحةِ البيت، ودخلت النساء إِلَى خيمة العروس للحناء، كانت الزغاريدُ والأَغاني تصدحُ، والكل منشغلٌ في الفرح، فجأةً سكت العرس، وسكتَ كل شيٍ، وكذلك أَصواتُ النساء، وعَلت صيحاتُ موسى شقيقُ مسعدة، وارتفع صراخه، يسبُّ ويشتمُ داخل خيمة العروسِ، وبين النساء، وبدل الغناء صارت النسوة يبكينَ، ويصرخنَ، ويستنجدن بالرجالِ ليساعدوهن، فهرع الجميعُ مسرعين نحو الضجةِ في الخيمة، شاهدتُ مسعدة تجلسُ على الأَريكة فوقَ اللوج، وخنجر أَخيها موسى فوقَ رقبتها، وهو يجأر كالثورِ، ويصرخُ ويصيح:
- ما بأسمح إلك تتحني، ممنوع تتحني، سامعة يا.. والله إِذا سعيد ما طلقك هلكيت إِلا أَذبحك هلكيت، مثل ما أَذبح الخروف! سامعة، سامعيني كلكوا يا غجر؟ فاهمين يا حوش؟ فاهمين يا..؟ هذه الجيزة ما بتم إلا على جثة مسعدة أو جثتي، وإنتو هلكيت عليكوا تختاروا وبسرعة، أنا أَخوها، وأَنا اللي بأجوزها للي بدي إياه، ما في عندنا بنات بتختار عريسها من حالها.
حدقتُ في مسعدة، كانت ترتجفُ من الصدمة، وجهُها أَصفر شاحب، ترتعدُ خوفًا، أَصابتني الحيرةُ، ولم أَدرِ أَي سلوكٍ أَسلكُه، أو أي فعلٍ عليَّ أَن أفعلَه، هل أَهجمُ على موسى؟ كيف أَتصرف؟ فأَنا لا أُريدُ أَن تتأذى عَروسي من قِبَل هذا الجاهل، أو أن تخرجَ الأُمورُ عن السيطرة، ويحدث ما نكرهُ، وما نحاذر منه، لم أكن أَتصور، أَو يخطرُ في بالي، أَن يصلَ الحقدُ إِلَى هذه الدرجة من الإِجرام بين الإخوة.
وقف الحاج ياسين عبد القادر العراقي؛ والد مسعدة وموسى، وهو يرجو موسى ابنَه أَن يهدأ، وأَلا يتهور، ثم مالَ نحوي، وهمس في أُذني، قائلًا:
- بهمش يا سعيد إهدى، برضايَ عليك يا عمي، وافق على طلبات هالمجنون، وبعد ما انحل هالبلا وهالموقف، كل إشي بتصلح يا عمي، الله يرضى عليك يا ابني سعيد.
ومد يده على ذقني وقبَّلَه، كانَت دموعُه تسيل على وجههِ، وتُبَللُ لحيتَه البيضاء بغزارة، بينما الكل يتوسلُ إِلَى موسى، ويرجوه أَن يكفَّ ويتوقفَ عن جنونه، وأَلا يتهَور، وأَن يرحمَ أُختَه ولا يؤذيها، فجأةً؛ صاحت عمتي صفية أم مسعدة بصوتٍ مسموع:
- يا ناس يا ناس، جوهت عليكوا الله، أنا مشهد على الله وعليكوا، إنكوا تهدوا حالكوا، إحنا بدنا نفرح، ما بدنا نخسر لا الولد ولا البنت، منشان الله، هي يا أبو سعيد، هي يا أم سعيد، هي يا سعيد، منشان الله ارحمونا، خلص خذوا ذهباتكوا وأغراضكوا يا عمي، أنا ما بدي أذبح ولادي ولا بناتي، إنتوا بترزقوا بنت أَحسن من بنتنا مسعدة، خلص خلص، فكونا من هالنسبة، ما بدنا إياها هالنسبة، خلص يا موسى، إهدى يا بنيي، ودشر أُختك وفكها.
وقفَ الحاج ياسين أَمام أَولادِه في هذا المشهدِ المؤلمِ على المنصة، كان ينشجُ وروحه تحشرجُ من البكاء والنواح، ودموعُه تُبللُ لحيته، كانَ الناسُ مذهولين ومحتارين، والصمتُ يعلو ويهتز، ويضربُ المكانَ والزمانَ والإِنسانَ بعنفٍ، كما يضربُ وجدان الحاضرين، ويجتاحُ فرحَنا وبهجتنا، رجالًا ونساء، صغارًا وكبارًا، فبدل الرقصِ والفرح والغناء، تهجُمُ مصيبةٌ وجريمةٌ هجومَ العسكر على الحفل، وهجومَ الصاعقةِ على فرحِ الفرحانين، وعلى قدرِ التعساء المساكين، سعيد ومسعدة، بل تعيس ومتعسة، يد موسى اليُسرى تطوي رأسَ أُختِه العروس، وتحنيه جانبًا، ويدُه اليمنى تضعُ الخنجرَ على رقبتِها كأنها عنزةٌ، وهي ترتجفُ وتصيحُ وتستنجدُ:
- يمه، يمه، يمه يمه، آه يمه، من شان الله لا تذبحني يا خويا، اللي بدك إياه بصير، إلحقني يا سعيد.
تقدم أَبي نحوي، وقال:
- برضاي عليك يا ابني سعيد؛ لحد هون وبكفي، ما بدنا نقتل هالمسكينة، ما حدا بفك رقبتها غيرك إنت يابه، طلقها يا بنيي بسرعة.. قول إنت طالق يا مسعدة، قول، قول يا سعيد إنت طالق يا مسعدة مرة وحدة يا ابني، قولها بس مرة وحدة، اسمعوا يا عالم، إنت شو بدك يا موسى بيك؟ سمعني! شو بدك بالضبط؟ احكي احكي احكي بسرعة.
- أَنا بدي سعيد ابنك يطلق أُختي مسعدة هلكيت وإلا..
بصوتٍ جريءٍ وعالٍ ومسموعٍ، قلت:
- إنت طالق يا زوجتي، ويا حبيبتي، ويا عروستي مسعدة.
ارتخت أَيدي موسى، ورفعَ الخنجر عن رقبةِ مسعدة، وقال بصوتٍ مقرفٍ وبشع:
- هلكيت الكل ينصرف من دارنا، ما بدي أشوف حدا منكوا، يلا يلا بسرعة، وبكرة بنلتقي عند المأذون على شان إنتمم الطلاق.
صاحت مسعدة:
- لا، لأ، لا تقولها حبيبي سعيد، إنت روحي، والله عمر نفسي ما بتطلع منك.
ودخلت في نوبة صراخٍ وصياحٍ، فقلت:
- في رب يا مسعدة، في رب، في رب.
انصرفنا من الفرحِ يَحتلُّني البؤسُ والتعاسةُ، أَخذَتني عزةُ نفسي، وفكرتُ في هذا الإنسان التافه، واقتنعتُ أنه لا يشرفُني أَن يكون نسيبي وصهري، وأَنه لا يستحق أَن يكون خالًا لِأَبنائي.
******
      انفضَّ العرسُ، وأَطفأنا الأَنوارَ والأَضواءَ، وأَزلنا أَشرطةَ الزينة، وأَلغينا كلَّ التحضيراتِ التي كُنا قد أَعددناها من قبل، وانفضَّ الفرحُ، وأُلغي نهائيًّا مشروعُ زواجي من فتاتي، ومن حبيبةِ عمري مسعدة، وذهب كلٌّ منا في طريقِه، غير أَن حب مسعدة لم ينقص قيد أنملةٍ واحدة في زوايا قلبي الحزين، وظلتْ روحُها تسكن روحي، وتتحدُ في كل دورةٍ من دوراتِ دمي وأَنفاسي، وجدتُ نفسي في حالٍ يُرثى لها، فأنا لم أَطلب من الدنيا الشيءَ الكثير، كلُّ ما أردتُهُ هو تحقيقُ رغبتي في الزواج من مسعدة جارتي، وصديقةِ الطفولة والصبا، وحبيبتي، لم أُحب غيرَها في حياتي، تأملتُ، وتألمتُ، وحلمتُ، وفكرت في الورود والرياحين والبساتين، والصدر الحنون، والحضن الدافئ، كان بيني وبينها جميعًا أَربعٌ وعشرون ساعةً فقط، لماذا اختفى كل هذا في لحظةٍ وكأنه سراب، يا الله ما أَصعب الإِنسان!
يقول اللهُ عزَّ وجلَّ في سورةِ الكهف: ﴿ولَقَد صَرفْنَا فِي هَذَا القُرءانِ لِلناسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكثَرَ جدلًا﴾ سورة الكهف، آية ٥٤.
  يا الله ما أَعقد المجتمع! يا الله ما أَصعب النفس البشرية!
 أيعقل أَن يحصلَ هذا فقط بسبب فقري؟
أيعقل أَن تؤخذَ مني حبيبتي وعروسي فقط لأَني إنسانٌ بسيط، لا أَملكُ مالًا كثيرًا، أَو فيلا!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الرائع أ/شوكت صفدي/////

"... نسيت وجعي، تعطر حزني بالحرية، نأيت عن أزمنة الشقاء، أزمنة الموت قهراً، وتوقفت معك لحظات الحلم، مبللين بأمطار تشرين ورعود تشرين ورياحه ووريقاته فوق قارعة الطريق القديمة، وعطره الخريفي.. وكانت جميعها تعزف موسيقا رقصتنا !.. جزء مني عاد إلى جسدي، وظل جزئي الآخر يرقص بين أطيافك.. سألتني أن نجعلها ألف عام قادمة.. وقلت، بل أريدها أن لا تنتهي خلود الزمن... لم تنقطع موسيقى الوجود لحظة، ولم ينقطع عزيف المطر والريح فوق النافذة، ونيران الموقد لم تخمد جواري... ومراهقتي التي هربت زمناً، ها هي تركض فوق الطرقات عائدة إلي، ترقص تحت المطر.. وشبابي المهاجر يستقبلني بشعر أشقر.. وطفلي الضائع في الغربة، يرجع من الفرار الى صدري، وإلى حضن وطن.. " يا عطر " . " عطر خريفي : من رواياتي "

بقلم الرائع أ/محمود عمر/////

«شرفة العمر الحزين» *********** عشت عمري كله شتاء وخريف وظللت أحلم كل يوم أن يأتي الربيع وطال بي الانتظار في شرفة العمر الحزين أتدثر بالأمل كلما اشتد بي الصقيع وكلما مر عام أنتظر البشارة تأتي في عام جديد يأتي فيه الربيع مرت الأعوام تباعاً عام خلف عام خلف عام والأيام تزداد قسوة والعمر شيء فظيع كم تمنيت أن يسرع الخطى ولكن الأمنيات عندي مستحيلة في زمن القساوة شنيع لم تشفع عنده طيبة القلب... ولا طيلة الصبر على الأحزان... ولا كثرة جروح الروح وآلام القلب وكأن الفرح علي منيع...!! حتى جاءني سهم الموت في وتين القلب من سند الحياة ممن ادخرته للأيام عوناً وليت الموت وقيع  لأذوق الموت مراراً  وطعم السكرات مرير...!!  أيا موتاً يأبى  يقربني  ألا لك من سبيل أسلكه...؟!  أو باباً أكون له قريع...؟!  لأترك دنيا نكرتني  فكرهت كل ما فيها  فكل ما فيها وضيع  فامدد يدك بكأس المنايا  فكم تجرعت أمر منه...!!  ولم أشتك يوماً  وكن معي خير صنيع...!!  محمود عمر

بقلم الرائع أ/عبد الرحمن القاضي/////

"غَزَليَّة" في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا نَدنوْ مِنْهُ ولا يأتيْنا نُهدِيْ عِطْرَ الحُبِّ إلَيْهِ ويُعَشِّمُنا ويُمَنّيْنا فَرْدٌ مِنْ عائِلَةِ الوَرْدِ يَنْضَحُ فُلّاً أو ياسَميْنا يَضْحَكُ إنْ قد كُنْتُ سَعيداً أو يَبْكِيَ إنْ صِرْتُ حَزيْنا ما في قَلبِيَ إلّا أنْتَ أمّا غَيْرُكَ لا يَعْنيْنا في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا... ! #عبدالرحمن_القاضي