رحلة إلى قمة الجبل
عندما فتحت عيوني على محيطي الاجتماعي ، رأيت كل الناس الذين أحيا بينهم يزحفون فوق الأرض على بطونهم في السعي فاقدين للحب .فجلهم يقضون أعمارهم لاهثين في سديم العمر وخلف سرابه، دون أن يحظوا بالوصول الى ذواتهم ولا غاياتهم ، وذلك بسبب تمكينهم الأخرين منها ، حيث سبقوهم اليها واحتلوها من قبل مجيئهم الى الحياة، فأصبح المرء منهم،( هو هم، وأصبحوا هم هم )، ولم يحظى المرء منهم طوال رحلته في هذه الدنيا بالتفرد ، حيث لم يسمح له سوى اجترار الفشل والحسرة والندامة لأنه جزء من قطيع .
لم أشك يوما عندما كنت أعوم في بحر الظلام ، أنني انسان مختلف ، واذا ما صعدت الى قمة الجبل العالي ، فانني سأضع يداي الصغيرتان على جزء من السماء، وربما اقتطع منها قطعة صغيرة من السعادة لأعود بها الى دنيتي المتواضعة ، أو لربما استطعت النفاذ الى داخل تلك السماء ، وأجد فيها عالما مثيرا ومختلف .
بعد جولات من التأمل الطويل القصير ، عقدت العزم على الشروع بتنفيذ رحلتي، كي أحقق هدفي المتواضع وأنا بعدي الطفل الصغير . أخذت زادي وزوادي، بعض من ارادة، وكثير من الحب وأشياء من الهمة العالية، كثير من حبال الصبر . انطلقت في رحلتي بخطوي البسيط، ساعيا الى الوصول الى قمة الجبل، حيث ترتكز السماء على قمته . تحركت قدماي وأنا مرفوع الرأس والهامة ، بدأت المسير بنفسية متفائلة وبفرح لم أعتده من قبل ، لا شيئ يسكنني سوى مشاعر السعادة بملامسة السماء ، فأنا الطفل الصغير وصاحب الأيادي القصيرة الطويلة .
عندما انطلقت في سعيي، لم أكن أملك في هذه الحياة سوى زمني، فكلما قطعت بعضا منه ، أقف وانظر الى الأعلى، أنظر الى السماء ، فأجدها مكانها تماما ترنو الي ، أتشجع وأعاود سعيي غير أبهِ بصعوبة الدرب ووعورته . مشيت ومشيت وحثثت خطاي كي اصل غايتي ، لم أشك لحظة انني يوما ما سأصل الى تلك السماء فأصافحها وألامسها بيداي، وسأحاول أن أحضر قطعة منها الى حيث أريد، أو ربما ستأخذني هي حيث تريد ، فأعاود الصعود والقعود ، حتى استطعت وصول قمة الجبل الموعود ، حالما وصلته وبلغت قمته، اكتشفت أن السماء أعلى بكثير مما أعتقدتها ، فهي تحتاج حتى أصلها الى الصبر الكبير، والى مساحة من الحب الكبير، تحتاج الى العمل، التأمل ، الى التفكر والى كل ما يمت بصلة الى الوعي، والأهم من كل ذلك تحتاج الى القناعة .
اتذكر أنني بدأت المسير وقد كنت طفلا صغيرا حالما كفيفا أعمى البصر ، وبعدما بلغت قمة الجبل نظرت الى هيأتي ، واذ بي أرى الشعر الأبيض قد غزى مفارقي، وسيطر على جميع رأسي ، واذ بوجهي مليئ بتجاعيد الخيبات ممن أحببتهم كثيرا ، وأنني لم أعد أنا ، فقد أصبحت انسانا أخر، انسانا يعيش عزلة تامة دون محاولة تذكر مراحل رحلته ، حينها قررت أن أغمض عيناي أسفا عن ما حل بي ، فلما أغمضتها، فجأة ومباشرة رأيت السماء ليست متكئة على قمة ذاك الجبل الموعود الذي كم حلمت بالوصول اليه ، رأيتها متكئة علي أنا وتحتضنني ، فكنت أنا بشحمي ولحمي ذاك الجبل .
تعليقات
إرسال تعليق