فوزي نجاجرة
من فلسطين
لمتابعي رواية أمضي أم أعود ؟؟؟ الحلقة رقم (٥) :
عندما كان يفكر خالد بما جرى معه ليلة الدخلة ، وكيف سارت الأحداث ، يغيب صوابه ، يتسائل : هل يوجد في كل الأعراف الاجتماعية والانسانية ما يبرر ما قام به أقاربي معي ؟ هل يوجد أي سبب منطقي يعطيهم الحق بالاعتداء علي ، وعلى بيتي وعلى عرسي ؟ هل هناك سبب حقيقي مقنع ، يخولهم بأن يفرضوا علي القيام بطلاق عروسي في اخر لحظات الزفة ؟ ماذا يعني ان أحدا من أفراد عائلة عروسي خديجة ، طلق واحدة من عائلتنا قبل ثلاثين عاما !!! والله انه فعل مشين بحقي ، لن أغفر لهم أو اسامحهم ما حييت ، لمن أوجه لومي وعتبي لأبي أو لأمي ؟ أخواني أو أخواتي ؟ لماذا طاوعوا أعمامي ومشوا معهم ضدي !!! لا لن أسامح ولن أغفر .
أعاد خالد تقييم وضعه من كل النواحي ، فوجد أنه كان مخطئا في موافقته لعائلته، يوم طاوعهم وطلق عروسه ، بعد عامين من انفصاله عن حبيبته وعروسه ، اقتنع بما لا يترك مجالا لأي شك ، بأنه لا يستطيع الاستغناء عنها ، فقد لجاء لاستشارة العديد من أصدقائه عن زواجه مجددا منها ، الكل شجعه بان لا يتردد في ذلك ، كذلك خديجة نفسها ، انها لم تقتنع ولو واحد في المية بمبررات انفصالهما عن بعض ، في كل احاديثها مع خالد ، كانت تحثه على الزواج ثانية ، وأنها متمسكة به لأخر نفس في حياتها . طالبته بعدم الاكتراث لرأي أي انسان حتى ولو كانوا والديه ، فدائما تقول له ، يا خالد ان مثلك يجب أن يتصرف بنفس الشجاعة وقوة القلب التي مثلتها يوم أنقذت الطفل ، عليك دائما استحضار تلك الروح من ذاك الموقف ، أنت بطل ورجل حقيقي يا خالد ، تعال لنواجه أخطاء الناس الجهلة ، هيا لا ندعهم يحددون مصيرنا ، وبعكس خالد ، هناك أمر مهم وصعب واجهته خديجة ، موقف عائلتها منها ، فقد أعتبرت عائلتها أن كرامتهم مسحت يوم طلقها خالد ، لذلك كانت تتلقى من هنا وهناك ، اهانات وتهديدات بقتلها ، اذا ما فكرت بالتواصل مع خالد من قريب او بعيد ، هددوها وتوعدوها بأن لا تتخذ أي قرار خاطئ ، بخصوص الزواج مرة أخرى من خالد . كانت خديجة تعي هذا الأمر ولا تغفله ، الا انها في قرارة نفسها أصرت اصرار كبير على الارتباط بخالد ولو كلفها ذلك حياتها .
*******
في حوالي الساعة العاشرة من صباح يوم أحد ، أثناء وجود خديجة في الروضة ، كان الجو في الخارج يعصف بالرياح الهوجاء ، والغيوم السوداء ، الرعود تقصف في كل الأنحاء ، والبرق سناه يضيئ المكان ، المطر ينصب بغزارة ، وقفت خديجة تنظر من الشباك الى الخارج ، فاليوم بارد جدا ، كما يكون عليه الحال عادة في أيام شهر تشرين الثاني من كل عام . هي تعشق المطر ورائحة التراب التي تفوح منه اثر تفاعله مع الماء ، انها رائحة ممتعة مميزة ، تثير عندها أجمل الأشجان والاحاسيس ، أثناء نظرها من الشباك ، كانت تستمع الى أغنية نجاة الصغيرة أنا بستناك بشغف كبير ، كلمات مرسي جميل عزيز ، والتي تقول فيها :
أنا بستناك أنا
أنا بستناك وليلي شمعة سهرانة لليلة حب
وأهلا أهلا أهلا أهلا حلوة
شايلاها عيون بتحب
وقلبي حرير شايل لك مطرحك بالقلب
وأدوب لك في شرباتي شفايف الورد
وأقولك دوق ، دوق ، دوق حلاوة الحب حلاوة القرب بعد البعد
من الشباك وأنا خدي على الشباك
أنا والشوق وناره الحلوة بنستناك
وفرح الدنيا مستني ، أه مستني معادي معاك
يا أجمل ليلة في عمري جاي
يا وردة بيضة في شعر حبيبي جاي
يا عقد ياقوت على صدر حبيبي جاي
وأزوق ليلي واتزوق لأجمل وعد
*******
بينما كانت خديجة تستمتع بجمال الأغنية المتناغم مع جمال المطر على الشباك ، شاهدت شخص يحمل مظلة يسير بهمة تحت المطر في اتجاه الروضة ، على الفور تهيأ لها أنه خالد ، لأن روحها كانت تحوم حوليه ، رفر قلبها مثل أجنحة عصفور الجناين ، عندما يكون منتشيا بمص رحيق زهرة متفتحة ، صدق احساسها ، مع اقتراب خالد تحولت رفة قلبها الى ما يشبه رقصة الفلامينكو ، تتمازج دقاته مع طرقات حبات المطر على زجاج النوافذ . أسرعت فتحت الباب لحبيبها ، رحبت به بأجمل الابتسامات ، وبأروع التحيات ، نشوة كبيرة ملئت كينونتها ، كل خلايا جسمها انفعلت مع قدوم فارسها اليها ، فطالما انتظرتهه وبلهفة منذ سنتين على ليلة افتراقهما .
جلس الاثنان قبالة بعض ، قال خالد :
_ ( ياااااه ..ما أحلا هذه الأغنية يا خديجة ! أنا أحبها وأحب كل أغاني نجاة الصغيرة وأغاني فايزة أحمد .
_ أنا مثلك حبيبي ، نفس المزاج ونفس الذوق ، أحب نجاة وفايزة أحمد أكثر من كل المطربين .
_ اليوم برد كثير ومطر ، السنة الدنيا شتت بكير .
_ بيحكوا رايح يستمر المنخفض كمان يومين ، الله يجيب الخير يا رب .
_ خديجة ، هل أنت جاهزة للتقدم في موضوعنا إلى الأمام ؟
_ نعم حبيبي ، كما قلت لك سابقا ، أنا رهن إشارتك ، ومستعدة للذهاب معك الى آخر الدنيا .
_ ممتاز يا خديجة ، أنا أكملت كل الترتيبات لزواجنا غدا إن شاء الله ، استاجرت منزلا في مدينة ( ك ع ) ، لم يعد لنا مكان هنا ، فلنترك هذا البلد ، ونهجر كل ناسه المتعبين ، أنا الآن سأسافر الى هناك لمنزلنا الجديد ، لترتيب كل الأمور ، عليك انت اليوم تحضير نفسك ، فاذا كان كل شيء معك على ما يرام ، سأكون بانتظارك غدا في محطة الحافلات حوالي الساعة الثانية عشرة ظهرا .
_ توكل على الله حبيبي ، سأكون جاهزة ان شاء الله ، ربنا معك ، غدا إن شاء الله انتظرني ، لكن يا خالد ، ماذا سنفعل بزواجنا ، لا يمكننا أن نجتمع تحت سقف واحد أنا وأنت دون عقد قراننا لدى المأذون الشرعي .
_ نعم يا حبيبتي ، من هذه الناحية اطمئني فانا حضرت كل شيئ ، مباشرة غدا بعد وصولك ، نستريح قليلا ثم نذهب سوية الى بيت المأذون الشرعي ، أنا أجريت اتصالاتي هناك، حضرت الشهود وكل شيء ، لا عليك ، خديجة أرجوك أن تتحركي بسرية تامة ، لا داعي لأن تخبري أحدا من أقاربك ، سيتم إعلامهم غدا مساء هم ووالدي ، لكن قبل ذلك غير ضروري أن يعلموا .
_ تمام يا خالد ، ربنا معنا ان شاء الله ، انتبه لنفسك ، بسلامة الله . يتبع غداً ان شاء الله في حلقة رقم (٦) .
تعليقات
إرسال تعليق