فوزي نجاجرة من فلسطين
لمتابعي رواية أمضي أم أعود ؟؟؟
الحلقة رقم (١٠) :
شارفت الشمس على المغيب ، ولما تصل الى المدينة ، الخوف والتحفز بدأ يزحف الى عقلها، حل المساء ومعه قوافل العتمة تفرد أجنحتها على الوديان، وعلى الزمان وعلى روح خديجة الحيران ، لم تجد المرأة بدا من أن تختبئ تحت شجرة بلوط ، مسندة ظهرها ورأسها الى ساقها ، شربت قليلا من الماء، وأكلت خبزا وقطعة جبن ، راحت تحاول تهدأة دماغها من نشاطه المتصاعد . فبدل الصورة مئات الصور تلف داخل رأسها، وكل موجة أكبر من سابقتها تغزو دماغها، فتعب النفس أشد وطأة من تعب الجسد، ولكن مع خديجة فكل أنواع التعب تهاجمها، فصوت دقات قلبها تتضخم وصارت مبعث قلقها، وصوت أنفاساها مع صوت صراصير الليل كأنها أصوات طائرة نفاثة، صوتها مزعج مرعب ، حاولت خديجة استراق ولو القليل من النوم، الا ان هذا المطلب كان صعب المنال، تقدم الليل بطوله وعرضه مع نسائم الوادي الباردة، وخديجة تقاوم ما استطاعت اليه سبيلا ، لم تعش ابدا المرأة هذه التجربة القاسية في حياتها، لم تكن تتمنى أن تحياها ولو مصادفة، هي الأن تلتحف عتمة الغابة والوديان ، أصوات الثعالب الذئاب والبوم، تحيط بها تحاصرها من كل جانب، وفي هذه البرهة المخطوفة من الزمان والمكان والانسان، سمعت هاتفا دافئا داخلها يقرأ أية الكرسي ، استمعت الى هذا الصوت بانسجام كبير، دمها تحرك في عروقها من أسفل قدميها تصاعدا الى أعلى جسدها ، ليصل الى قلبها صدرها رقبتها ثم الى أعلى رأسها ، ولم تدري بنفسها أين ذهبت ، لتستفيق على أصوات الطيور الجميلة، الحمام البري، البلابل القمري الشنار سيدي كعكع الخضر الحسون والقبر ، فانتبهت واذا بجميع هذه المخلوقات الجميلة اللطيفة تحتفل بوجودها بينهم ، فجميعها تشدوا لها لتبهجها وتريح قلبها ، نشيدها يملأ كل وادي، النور والشروق قد حل بدل العتمة .شعور جميل بالاطمئنان ينبعث داخلها ويملأ قلبها ، أختلف مزاجها جذريا، التفتت حولها أحست براحة كبيرة تملأ نفسها، هنا استعاذت بالشيطان الرجيم وسمت بسم الله وحمدت ربها، فتحت صرتها وتزودت بما تيسر لها من الزاد ، ثم أطلقت العنان لقدميها كي تكمل المشوار نحو الشمال المجهول .
قبل الظهيرة، صارت تلمح من بعيد المباني والعمار ، وصلت تلك المباني وعرفت انها قرية صغيرة، استفسرت من أهلها عن موقع محطة الحافلات ، وفي المحطة استراحت قليلا وركبت الحافلة الى الشمال ، بعد ساعتين وصلت محطة الحافلات في احدى المدن ، لكنها قررت مواصلة سفرها الى أقصى هذه المدن وهي مدينة (س ص) ، كانت خديجة تنتقل من حافلة الى أخرى حتى وصلت الى مدينتها المنشودة (س ص) قبل الغروب بحوالي ساعة .
*******
خرجت من محطة الحافلات متوجهة الى الأسواق ، يشدها هدوء الشوارع التي بدأت بعض محلاتها بالاغلاق ، ولكن روائح البخور العطور البن المحمص كانت ما تزال تملأ أزقتها ، وأكثر ما أثارها رائحة الفلافل المقلية الزكية ، فدخلت بسرعة جوعها وقوة شهيتها الى مطعم تجذبها اليه رائحة الفلافل ، طلبت صحن مسبحة مع الفلافل الساخنة والمخلل والبصل ، شربت عصير برتقال . خلال مكوثها في المطعم ، فكرت وقررت تغيير اسمها من خديجة الى زبيدة أو أم الوفا، حتى لا يتعرف أحدهم عليها، فهي رغبت بالعيش بحياة جديدة من الصفر ، ومع أناس غير هؤلاء الذين عاشت معهم عمرها السابق . تابعت سيرها في أزقة المدينة ، مأخوذة بحركة الناس وأبواق السيارات وأصوات تراتيل القران من الجوامع ينبعث ، دخلت سوق الخضار، فكل الباعة يصوتون وينادون الزبائن ليشتروا باسعار مخفضة لانهم ينون اغلاق المحلات والعودة الى بيوتهم ، توقفت خديجة عند محل فيه امرأة تبيع الفوكه ، اشترت منها حوالي كيلو فواكه مشكلة من قرنين موز حبة تفاح حبة اجاص برتقالة ، ووقفت بالقرب من باب المحل محتارة واجمة ،
يتبع في الحلقة (١١) الخميس القادم ان شاء الله .
تعليقات
إرسال تعليق