التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بقلم الرائع أ/فوزي نجاجرة/////


لمتابعي رواية أمضي أم أعود ؟؟؟
الحلقة رقم (٩):
مع اقتراب فجر ذات الليلة، تركت الام خديجة رسالة على الطاولة لصاحبة البيت، شكرتها فيها واسرتها على وقوفهم معها واستضافتها عندهم في هذه الليلة العصيبة ، أخبرتهم فيها أنها قررت المغادرة ، وأن يخبروا ابنها وسيم بعدم التفكير بها ثانية، وانها تعتبر نفسها عقيم لم تلد يوما ما ابنا أو بنتا . حملت صرتها بين يديها، تسحبت بهدوء من البيت الذي استجارت به٠سارت الأم المهانة تحمل صرتها بيدها ، تهادت تمشي في دروب الحياة الغدارة المعتمة، توجهت الى طريق فرعي مبتعدة عن الشوارع الرئيسة للبلدة، كي لا يشاهدها أحد ما من سكان الحي . سارت أرجلها بخطوات مرتجفة مرتعبة ، سارت في دروب موحشة، تلفها العتمة الحالكة، مرغمة على الهروب من كل البلد خوفا على حياتها، فلم تستطع التفكير ولو واحد بالمائة بالبقاء بالقرب من ابنها ، أو تبقى في كل المنطقة، لذلك خطت خطواتها مدفوعة بعزيمة كبيرة ، كي ترحل عنه وعن كل ما يربطها به أو بمعارفها أجمعين .
وصلت محطة الحافلات ، لم تجد فيها الا بضع أشخاص، سألت عن الحافلة التي ستنطلق، تفاجئت أن هناك حداد عام واضراب في كل المناطق ، بسبب قيام جيش العدو الصهيوني باغتيال خمسة شهداء هذه الليلة، وبالتالي فان المواصلات العامة متوقفة تماما . داهمت الحيرة رأسها ، وأضاف هذا الوضع تعقيدات وصعوبات أكثر على تنفيذها لما أزمعت عليه بالمغادرة، لم تستسلم المرأة لهذا الوضع الغير متوقع، استفسرت من بعض الناس المتواجدين، عن كيفية الرحيل من البلدة ، فأرشدتها أحدى النساء على سلوك طريق زراعية طويلة اذا ما رغبت بالرحيل، ولكن الولوج والسير فيها صعب ومحفوف بالمخاطر . فكرت خديجة قليلا في الأمر، ووجدت انه لا مناص أمامها الا ان تمضي الى قدرها، وتسلك تلك الطريق الزراعية ، غادرت محطة الحافلات، مشت لأكثر من خمسة عشر دقيقة حتى وصلت الطريق الزراعية المقصودة ، انطلقت أرجلها في مسار حفرته الأرجل بين المزارع الممتدة في العتمة الحالكة . لم تكن خديجة أثناء مشيتها تسمع سوى حفيف ثوبها وصوت خطواتها، وضجيج دقات قلبها المرتعد، لم تخطط لبلوغ مكان بعينه، انما كانت تبغي الابتعاد كثيرا عن جرحها وبلدها ، والوصول ألى أبعد الامكنة التي يستحيل على أي من معارفها أذا فكر في البحث عنها أن يجدها خاصة ابنها وسيم . انحدرت الطريق الى وديان عميقة موحشة، مليئة بالاشجار الكثيفة، التي تزيد من خوفها بالتعرض للافتراس من قبل وحوش برية ضارية مثل الضباع الذئاب الأفاعي أو الثعالب وغيرها ، تسير وتلهث تعبا ورعبا، كلما قطعت مسافة كيلو مترين او أكثر تجلس قليلا لترتاح ثم تنظر حولها فلا تكاد ترى كفها، تنطلق ثانية وتواصل الخطو، توجهت في رحلتها قاصدة الشمال البعيد، تقطع في مشيتها الوقت، تقطع المسافة بينها وبين حاضرها وماضيها ومستقبلها، خطواتها تعزز رفضها لما الم بها من خيبة أمل وخيبة رجاء من ابنها العاق.
مع انبلاج خيوط الفجر البيضاء كانت قد ابتعدت كثيرا عن بلدها، تتدثر بالتعب والاعياء والخوف الذي سكنها، فأخذت تبطئ من مشيتها وخطواتها ، بدأ الصباح الربيعي بالاشراق ، مما مكنها من التعرف على الطريق والتخفف قليلا من الخوف ووحشة الدرب، والشعور بالوحدة ، استمرت بالمسير حتى بدأت تسمع من بعيد أصوات أغنام ، وكلما تقدمت في مشيها أكثر ، صارت تلمح رعوات الاغنام والماشية ، حينها بدا الهدوء يزحف الى نفسها وقلبها تدريجيا ، فلما وصلتها، واذ بها تقف عند نبع ماء ، يورد عليه رعاة المنطقة ماشيتهم، تنهدت استحمدت ربها على وصولها الى هذا النبع ، حيث قررت اخذ قسط قليل من الراحة .
على النبعة وجدت خديجة نفسها بين قطعان الماشية والرعاة والمزارعين، وردت الى الماء وشربت ثم مسحت وجهها المغبر، ابتعدت قليلا نحو شجرة تين، جلست تحت فييها بالقرب من رجل عجوز يناهز عمره حوالي السبعين عاما ، لكن بنيته ضعيفة، يجلس وعصاه جانبه، ، لم تنتبه سماح لهذا الرجل ، فتحت زوادتها ، اخرجت منها حبتين بندورة وكسرة خبز، ثم اقتربت من العجوز ودعته ليتناول فطوره معها ، شكرها الرجل، اخذ منها كسرة الخبز وحبة بندور وملح واكلها، قال لها :
_ أشكرك يا محترمة ، اذا سمحت لي، الى أين انت ذاهبة ؟
_ انا قاصدة وجه الكريم يا عماه.
_ والكريم لن يخيب رجائك.
_ هل لك ان تدلني يا عماه على أية طريق يمكنني أن أسلكه للوصول الى أقرب مدينة في هذه المنطقة، فأنا لا أعرف شيئا في هذه المناطق.
_ نعم على الرحب والسعة، عليك أن تسيري من تلك الناحية ووووو................
                                       *******
    تابعت خديجة مشوارها ولم تلتفت خلفها أبدا، لكن كل ما بداخلها كان يلتفت ، قلبها عقلها ،تبكي الماضي وتبكي الحاضر وما هو أتي،  تسير وسط الوديان لساعات وساعات ، وكلما داهمها التعب ، تجلس لبرهة قصيرة ثم تتابع المسير، لم تكن خديجة تتوقع في يوما ما أن يحصل لها ما حصل، فحياتها كانت رتيبة، وتسير بنمط عادي، جل همها كان ان تربي ولدها لينجح ويريحها من صعوبات الحياة وقسوتها ، أن يحافظ عليها ويعينها على اكمال مشوار حياتها، ففي الوقت الذي جاء فيه موسم حصاد ما زرعت في سابق الأيام، جاء أعصار الشقاء والعقوق وحطم الزرع والضرع، في الوقت الذي أملت فيه أن تقضي حياة سعيدة مع ابنها وسيم، حيث أصبح موظف في أحسن بنوك البلاد، وأن تفرح بزواجه وبأبنائه وبزوجته، كل شيئ أصبح سراب في سراب، تبخر الحلم وفتحت عينيها على وهم في وهم .كل شيئ بات بالنسبة لها محير، الزمن يحير، الانسان يحير ، أيعقل أن الخير قد انتفى من الدنيا ؟ تسأل نفسها كيف يتغير الناس ؟ لماذا ينقلبون من اللطف الى الفظاعة ؟ ومن الجمال الى القبح ؟ يذهبون في رمشة عين من هذا الطرف الى الأخر ؟ هذا ما لم تفهمه.  هل كل الأبناء مثل ابنها؟ لماذ فقط ابنها من دون خلق الله حاول قتل امه ؟ أين الخلل، هل هو فيها أم فيه ؟ أم ان الخلل في كليهما ! ما كان مبعث بهجتها في ماضيها وعمرها المهدور، غدا نصلا يوغل في خاصرتها . تسير خديجة تحمل جرحها الغائر بين جوانحها، وضجة الصمت والوجع تقتلها، تضغطها، تعذبها . جسمها يشتكي لها تعبه ، روحها ترفض التجاوب مع الجسد، روحها تحملها وتشد أزرها وتدفعها للتقدم نحو المجهول وتستحثها كمن يلاحقه وحش ، تفكر، ترى هل أنا مخطئة في قراري؟ وماذا ينتظرني في نهاية مشواري هذا؟  لماذا غادرت بيتي وبلدي، هل قراري صائب ؟ كل شيئ يحيرني، ثم تتوقف عن المسير وتسأل نفسها، ما الفاىدة من الاستمرار في طريقي هذه ؟ لماذا لا أعود أدراجي الى بيتي ؟ أأمضي أم أعود ؟؟؟
يتبع في الحلقة(١٠) غدا ان شاء الله .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الرائع أ/شوكت صفدي/////

"... نسيت وجعي، تعطر حزني بالحرية، نأيت عن أزمنة الشقاء، أزمنة الموت قهراً، وتوقفت معك لحظات الحلم، مبللين بأمطار تشرين ورعود تشرين ورياحه ووريقاته فوق قارعة الطريق القديمة، وعطره الخريفي.. وكانت جميعها تعزف موسيقا رقصتنا !.. جزء مني عاد إلى جسدي، وظل جزئي الآخر يرقص بين أطيافك.. سألتني أن نجعلها ألف عام قادمة.. وقلت، بل أريدها أن لا تنتهي خلود الزمن... لم تنقطع موسيقى الوجود لحظة، ولم ينقطع عزيف المطر والريح فوق النافذة، ونيران الموقد لم تخمد جواري... ومراهقتي التي هربت زمناً، ها هي تركض فوق الطرقات عائدة إلي، ترقص تحت المطر.. وشبابي المهاجر يستقبلني بشعر أشقر.. وطفلي الضائع في الغربة، يرجع من الفرار الى صدري، وإلى حضن وطن.. " يا عطر " . " عطر خريفي : من رواياتي "

بقلم الرائع أ/محمود عمر/////

«شرفة العمر الحزين» *********** عشت عمري كله شتاء وخريف وظللت أحلم كل يوم أن يأتي الربيع وطال بي الانتظار في شرفة العمر الحزين أتدثر بالأمل كلما اشتد بي الصقيع وكلما مر عام أنتظر البشارة تأتي في عام جديد يأتي فيه الربيع مرت الأعوام تباعاً عام خلف عام خلف عام والأيام تزداد قسوة والعمر شيء فظيع كم تمنيت أن يسرع الخطى ولكن الأمنيات عندي مستحيلة في زمن القساوة شنيع لم تشفع عنده طيبة القلب... ولا طيلة الصبر على الأحزان... ولا كثرة جروح الروح وآلام القلب وكأن الفرح علي منيع...!! حتى جاءني سهم الموت في وتين القلب من سند الحياة ممن ادخرته للأيام عوناً وليت الموت وقيع  لأذوق الموت مراراً  وطعم السكرات مرير...!!  أيا موتاً يأبى  يقربني  ألا لك من سبيل أسلكه...؟!  أو باباً أكون له قريع...؟!  لأترك دنيا نكرتني  فكرهت كل ما فيها  فكل ما فيها وضيع  فامدد يدك بكأس المنايا  فكم تجرعت أمر منه...!!  ولم أشتك يوماً  وكن معي خير صنيع...!!  محمود عمر

بقلم الرائع أ/عبد الرحمن القاضي/////

"غَزَليَّة" في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا نَدنوْ مِنْهُ ولا يأتيْنا نُهدِيْ عِطْرَ الحُبِّ إلَيْهِ ويُعَشِّمُنا ويُمَنّيْنا فَرْدٌ مِنْ عائِلَةِ الوَرْدِ يَنْضَحُ فُلّاً أو ياسَميْنا يَضْحَكُ إنْ قد كُنْتُ سَعيداً أو يَبْكِيَ إنْ صِرْتُ حَزيْنا ما في قَلبِيَ إلّا أنْتَ أمّا غَيْرُكَ لا يَعْنيْنا في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا... ! #عبدالرحمن_القاضي