التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بقلم الرائع أ/فوزي نجاجرة//////


أصدقائي الطيبين متابعي حلقات رواية أمضي أم أعود ، اليكم الحلقة رقم (٢٤) ، اود أن الفت انتباهكم ، ان اخر حلقتين من الرواية ستكون الاسبوع القادم ان شاء الله .
بعد مرور عام على بدء كتابة أم الوفا لمذكراتها، تم انجاز عملها الادبي الأول، بناء على تقييم الدكتورة سمية لكتابات أم الوفا، بالتشاور مع زملائها مدرسي قسم اللغة العربية في الحامعة ، قررت الدكتورة سمية أن ما قامت به أم الوفا من كتابة ، يصلح ويرقى لأن يكون رواية أدبية تطبع في كتاب وينشر ويسجل باسمها، لما تحتويه هذه الكتابة من جمال في النصوص، تميز الفكرة والموضوع، عناصر الاثارة والتشويق، الحبكة، عناصر الزمكان ، والعبرة من وراء ما كتب، بناء على هذا التقييم، قررت الدكتورة سمية باخراج هذا العمل الى النور . في قرارة نفسها فكرت ان تطبع هذا الكتاب على نفقتها الخاصة وتهديه الى خالتها أم الوفا ، كهدية لها بمناسبة شفائها من المرض ، كذلك تقديرا لها بما قامت به من مساعدة لاسرتها في كافة مراحل حياتهم ، كأسرة منكوبة من قبل الاحتلال، الذي يأسر والدها لأكثر من ثلاثين عاما، فان أم الوفا ساعدتهم بكل ما استطاعت من جهد ومال ، كذلك فان الدكتورة سمية انسانة تنتمي لأهل الخير وفعله من أمثال خالتها أم الوفا، بناء عليه جاء قرارها هذا .
في الوقت الذي كانت فيه أم الوفا على رأس عملها مشغولة في المقهى ليلا ونهارا، لم تكن معافية من مرضها تماما ، كانت تعاني الكثير من ذيول المرض ، من الأمه وأوجاعه ، دون أن تشعر أحدا بما تواجهه من مشاكل جراء هذا المرض، هذا المرض ليس سهلا أبدا ، بناء على تشخيص الطبيب الذي عالج أم الوفا ، فمرضها هو ما يعرف بالوسواس القهري ، وهو مرض مزمن ، يخف تارة ويشتد تارة أخرى ، طبعا هذا يعتمد على كثير من العوامل ، منها على سبيل المثال ، الفرح والحزن ، التعب والراحة، الخوف والاطمئنان ، البرد الحر ، التثقيف المستمر ، الوضع الأسري، متابعة أخذ الدواء وعدم التوقف عنه الا بالشعور بالتحسن شبه التام، أما وان حدث ظرف سلبي، مثل رؤية حادث مؤلم كشجار ، أو حادث سير، رؤية ميت أو جنازة، أو فرحة كبيرة ، فأن المريض سيصاب بانتكاسة حادة تعيده الى المرض من جديد . لم تتوقف أم الوفا عن مراجعة طبيبها النفسي، كذلك تابعت أخذها للدواء باستمرار، فكل ليلة وقبل نومها، تأخذ حبة بروزاك ثم تنام . تابعت ام الوفا كتاباتها في الشعر والنثر ، اضافة الى كل ذلك أدت عملها في المقهى بأفضل ما لديها من جهد وطاقة .
بعد سنتين من تعرض أم الوفا للمرض، تم توجيه دعوة خاصة ، من قبل دائرة اللغة العربية في الجامعة ، لها ولكل من أم بشير ، اقبال ، والدكتور النفسي الذي عالج أم الوفا والى كل رواد مقهى ام الوفا ، دعوة لحضور حفل اشهار رواية لكاتبة مجهولة في قاعة الجامعة ، في ظهيرة يوم السبت توجهت ام الوفا بصحبة أم بشير، الى قاعة الجامعة ، كانت الجامعة تغص بالطلاب والمدرسين والزوار من خارج الجامعة ، على منصة المسرح أربعة مقاعد واحد منها فارغ ، والثلاثة الأخرى يجلس عليها اساتذة لغة عربية ، بضمنهم الدكتورة سمية ، افتتحت الاحتفال الدكتورة عائشة ، مدرسة الأدب المقارن بقسم اللغة العربية ، رحبت بالحضور الكريم ، ثم دعتهم للوقوف دقيقة حداد على أرواح الشهداء، قرأت بعض أبيات الشعر ، وأعلنت عن أن هذا لاحتفال هو لاشهار كتاب رائع ، رواية لكاتبة عظيمة اسمها أم الوفا، ثم دعتها حالا الى المنصة ، أجلستها على الكرسي الفارغ بين اساتذة الجامعة ، لم تتمالك نفسها ام الوفا أجهشت بالبكاء ، فرحا بهذه المفاجأة السارة الغير متوقعة من قبلها ، جرت قراءة للكتاب قدمها الأستاذ الدكتور عليان ، ثم دار نقاش لمحتويات الكتاب، حيث أثنى كل من الاساتذة الذين قدموا قرائاتهم للكتاب على الكاتبة أم الوفا، وقفت الدكتورة سمية تحدثت عن المؤلفة ام الوفا باقتضاب ، ذكرت معلومات يسيرة عن حياة وشخصية المؤلفة ، بعدها تم تكريمها بدرع وشهادة من الجامعة . ان هذا الاحتفال بالاضافة لاطلاق الكتاب ، هو بمثابة اطلاق الشفاء لمريضة عانت الويل من جراء المرض النفسي ، المعروف بالوسواس القهري ، فنسبة كبيرة مما اصيبوا بهذا المرض لم ينجوا منه ، بعضهم اودع في المصحات النفسية ، والمعرفة في مجتمعاتنا العربية ( مستشفيات الأمراض العقلية ) ، البعض منهم انتحر، البعض تضاعفت لديهم الأمراض العضوية وقتلتهم . أم الوفا في هذا الاحتفال لامست معنوياتها عنان السماء ، الكل يصافحها ويهنئها، البعض ممن يعرفونها في المقهى يبكون فرحا لها وتأثرا بحالتها ، أكثرهم الطالبة اقبال ، التي لم تفارق أم الوفا أيام محنتها ، ضحت بوقتها وجهدها ، تطوعت من تلقاء نفسها وروحها للعناية بهذه الانسانة المريضة ، قدمت لها ما لم تقدمه بنت لأمها دون سابق معرفة بينهما ، دافعها فقط هو الانسانية المعذبة ، ففي هذا الاحتفال كرمت اقبال أيضا من قبل الجامعة بشهادة شرف وانسانية. نظير ما أبدته وأثبتته من نخوة وشهامة وموقفها الانساني المتميز .
لم تصدق ام الوفا ما حصل معها هذا النهار، ما حصل معها هو أمر خرافي بالنسبة لها ، فرحت فرحا كبيرا بناء عليه ، قررت أن تتوقف عن أخذ دواء البروزاك ، تعبت من تناوله لأكثر من سنتين ، أعطت نفسها فرصة كي ترتاح من هذه المواد الكيماوية التي برغم نفعها في منع المرض ، الا ان لها أضرارا وتأثيرات جانبية كثيرة ، مثل تلف المعدة ، أو الكلى ، وأقلها العامل النفسي ، فعندما كانت تفكر انه لولا هذه الادوية فستبقى انسانة ليست كالناس الأصحاء الذين يبقون أصحاء بدون تناولهم لأي دواء ، لذلك ستواصل الشعور بالنقص اذا ما استمرت باخذه . في اليوم الثاني حضرت أقبال الى المقهى، قبلت خالتها أم الوفا وقالت:
_ أنظري يا كاتبة ، ماذا كتبت عنك الصحف ، صورك وصور كتابك وأخبارك تملأ الصحف ، انت مذهلة يا أم الوفا، مبارك لك هذا الانجاز يا خالتي .
_ الله يبارك بصحتك وعمرك حبيبتي ، غير معقول هذا الامر، دماغي لم تستوعب أن ما كتبته يستحق الطباعة والنشر ، وهذه الاحتفالية ، هل حقا يا بنتي اقبال هو يستحق بالفعل ؟ أم أن الدكتورة سمية تجاملني بهذا العمل ؟
_ خالتي ام الوفا ، انت بالفعل قمت بعمل مبدع في مجال الثقافة ، وتوضيح ما هو مرض الوسواس القهري الذي يحطم كثيرا من الناس ، لكنك أنت قهرتيه وحطمتيه، وحولت المرض الى قوة ابداع والهام وثقيف للأخرين ، بالتالي انت تستحقي التكريم والاحترام والثناء . أيضا لا تنسي خالتي أم الوفا ، الدكتورة سمية تعبت معك كثيرا، هي من أخرجت كتاباتك الى النور، فهي انسانة مبدعة حقيقية ، تستحق الاحترام والتقدير. أنها انسانة أكثر من رائعة .
*******
بعد شهر من اشهار كتاب أم الوفا، جاءت اليها الدكتورة سمية، أعطتها صحيفة فيها نبأ مشاركة كتابها في معرض دولي يقام في مدينة الاسكندرية بمصر ، فرحت كثيرأ أم الوفا ، حضنت الدكتورة سمية وشكرتها ، قالت الدكتورة سمية:
_ خالتي أم الوفا لي رجاء عندك ، أذا سمحت لا تتوقفي عن الكتابة والقراءة ، فلديك أنت ملكة الكتابة فاستغليها ، سوف تكتبي من الأن وصاعدا ، كتابات رائعة وراقية ، لا تنسي الشعر، أنا أراهن عليك يا خالة ، أرجوك واصلي الكتابة فهي وكما قال طبيبك جزء من علاجك ، أرجوك لا تتوقفي .
_ حاضر يا بنتي، أنت تأمري ولا تطلبي ، اريد ان ابلغك حبيبتي سمية ، اني قررت التوقف عن أخذ الأدوية ، أنا مللت تعاطيها ، أتأمل أن أبقى بصحة جيدة ان شاء الله ، ولا أنتكس ثانية ، فمن الان وصاعدا أقول وداعا يا بروزاك .
_ أهنئك من كل قلبي خالتي أم الوفا على الشفاء ، فالكتابة ودواء البروزاك ، كان لهما فضل كبير على شفائك . مع هذا الأفضل أن أخبر طبيبك بهذا الامر ، اذا وافق فلا بأس ، اما اذا اعترض ، أرجوك يجب ان لا توقفيه ، وتستمري بأخذه . هناك امر مهم أخر، سأقدم روايتك لمعارض كثيرة ، الى مسابقات عديدة ، أتأمل أن تفوز باحدى الجوائز ان شاء الله ، واذا ما حصلت على جائزة أدبية ، سوف أحاول التواصل مع دور النشر في الدول الأجنبية ، ليتم ترجمتها الى اللغات الأخرى، انت تستحقين يا أمي كل خير .
*******
في المقهى، بدأ يظهر على مسامع كل من أم بشير وأم الوفا أخبارا مهمة من محطات الأخبار ، كذلك في نقاشات زبائن المقهى ، أنه تجري مفاوضات بين حركة حماس في غزة والكيان الصهيوني ، حول صفقة لتبادل اسرى فلسطينين مع جلعاد شاليط الجندي الأسرائيلي الأسير لدى حماس ، فاهتمت كل أسرة ام بشير لهذه الأنباء ، فقد أحدثت تحولا كبيرا في سلوك هذه الأسرة ، الزوجة أم بشير الابناء ، جميعهم كثفوا متابعاتهم لسماع الأخبار عن أخر المستجدات حول هذه المفاوضات ، مما زاد من تداولهم لها، بين بعضهم البعض في معظم نقاشاتهم ، صارت أم بشير تصلي بدل الخمس صلوات خمسون صلاة، لسانها لم يتوقف وهي تلهج بذكر الله ودعائه، بأن تشمل هذه الصفقة أسم زوجها ، كذلك فعلت الدكتورة سمية وشقيقها المهندس بشير والطبيبة ميسون ، ولا ننسى صديقتهم الطيبة ام الوفا التي لم تتوقف عن الدعاء والرجاء الى رب العالمين أن يمن على رب هذه الاسرة بالفرج عاجلا. ويجمع شملهم ثانية .
في ظهيرة يوم ١٠_ تشرين أول_ ٢٠١١م ، جاء اتصال هاتفي من الصليب الأحمر الفلسطيني الى أم بشير
يتبع في الاسبوع القادم يوم الخميس ان شاء الله الحلقة ( 25 و 26 ) وهن نهاية الرواية .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الرائع أ/شوكت صفدي/////

"... نسيت وجعي، تعطر حزني بالحرية، نأيت عن أزمنة الشقاء، أزمنة الموت قهراً، وتوقفت معك لحظات الحلم، مبللين بأمطار تشرين ورعود تشرين ورياحه ووريقاته فوق قارعة الطريق القديمة، وعطره الخريفي.. وكانت جميعها تعزف موسيقا رقصتنا !.. جزء مني عاد إلى جسدي، وظل جزئي الآخر يرقص بين أطيافك.. سألتني أن نجعلها ألف عام قادمة.. وقلت، بل أريدها أن لا تنتهي خلود الزمن... لم تنقطع موسيقى الوجود لحظة، ولم ينقطع عزيف المطر والريح فوق النافذة، ونيران الموقد لم تخمد جواري... ومراهقتي التي هربت زمناً، ها هي تركض فوق الطرقات عائدة إلي، ترقص تحت المطر.. وشبابي المهاجر يستقبلني بشعر أشقر.. وطفلي الضائع في الغربة، يرجع من الفرار الى صدري، وإلى حضن وطن.. " يا عطر " . " عطر خريفي : من رواياتي "

بقلم الرائع أ/محمود عمر/////

«شرفة العمر الحزين» *********** عشت عمري كله شتاء وخريف وظللت أحلم كل يوم أن يأتي الربيع وطال بي الانتظار في شرفة العمر الحزين أتدثر بالأمل كلما اشتد بي الصقيع وكلما مر عام أنتظر البشارة تأتي في عام جديد يأتي فيه الربيع مرت الأعوام تباعاً عام خلف عام خلف عام والأيام تزداد قسوة والعمر شيء فظيع كم تمنيت أن يسرع الخطى ولكن الأمنيات عندي مستحيلة في زمن القساوة شنيع لم تشفع عنده طيبة القلب... ولا طيلة الصبر على الأحزان... ولا كثرة جروح الروح وآلام القلب وكأن الفرح علي منيع...!! حتى جاءني سهم الموت في وتين القلب من سند الحياة ممن ادخرته للأيام عوناً وليت الموت وقيع  لأذوق الموت مراراً  وطعم السكرات مرير...!!  أيا موتاً يأبى  يقربني  ألا لك من سبيل أسلكه...؟!  أو باباً أكون له قريع...؟!  لأترك دنيا نكرتني  فكرهت كل ما فيها  فكل ما فيها وضيع  فامدد يدك بكأس المنايا  فكم تجرعت أمر منه...!!  ولم أشتك يوماً  وكن معي خير صنيع...!!  محمود عمر

بقلم الرائع أ/عبد الرحمن القاضي/////

"غَزَليَّة" في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا نَدنوْ مِنْهُ ولا يأتيْنا نُهدِيْ عِطْرَ الحُبِّ إلَيْهِ ويُعَشِّمُنا ويُمَنّيْنا فَرْدٌ مِنْ عائِلَةِ الوَرْدِ يَنْضَحُ فُلّاً أو ياسَميْنا يَضْحَكُ إنْ قد كُنْتُ سَعيداً أو يَبْكِيَ إنْ صِرْتُ حَزيْنا ما في قَلبِيَ إلّا أنْتَ أمّا غَيْرُكَ لا يَعْنيْنا في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا... ! #عبدالرحمن_القاضي