( المعــاصرة والتجديــــد في الشعر العربي- القسم الاول )
.
بقلم : د . فـالــــح الكيـــــــــــــــــلاني
.
المعاصرة في الشعر يقصد بها كل الشعر الذي قيل او يقال في زمن العصر الحالي او الحاضر والذي نعاصره ونعاصر احداثه وما يطرأ عليه من تغييير او تجديد ربما يختلف عن العصور السابقة .
ونستطيع تحديد حركة المعاصرة في الادب او الشعر ببدايات القرن الحادي والعشرين وما قبله بقليل علي ان نعد الشعراء المولودين في القرن العشرين ولا يزالون احياءا من المعاصرين لان ما انتجوه من الشعر او الادب ككل هو ضمن الادب او الشعر المقال في زمن المعاصرة وتاثر ه بالزمن المولود فيه .
وقد لوحظ وجود العديد من التيّارات الفكرية ، تنوّعت وتباينت الاشكال التّعبيرية و الفنّية فيها وفق أسس ثقافية معينة لها القدرة على ان تحمل تجارب المعاصرة والسمو فيها نحو الافضل . فكان منها ايجاد اشكال شعرية ( متطورة ) ربما نعدها جديدة او مستحدثة . والتي اصبحت من ضرورات المعاصرة والتجديد مماد ادى الى ايجاد نوع من التحرر او التمرد عند بعض الشعراء المعاصرين .فكان هذا التّمرد والتّحرّر من القيود والأشكال القديمة من أولى المداخل لهذا العهد الجديد ومن المهم ان يتحرى الاديب او الشاعر المعاصر اسمى المعاني وينتقيها في كتاباته الادبية او الشعرية وتعابيره وأدواته الفنّية، تساميا مع مستجدّات العصر .
ونقصد بالتجديد ما استجد في الثقافة واللغة والبلاغة والبيان في مجال القصيدة العربية سواء ً كانت عمودية او حرة او قصيدة نثر وانعكس في الشعر بمفاهيم جديدة او كل تغير في الأصول الادبية تغييرا جذريا يمكن اعتباره تحوّلا حقيقيا عن المسار الكلاسيكي او التّقاليد المعروفة والمتداولة والتي ترتبط بالاد ب او الفنّ وطرق التّعبير، وسواء كانت هذه التّعبيرية في الأساليب التّعبيرية المختلفة او باللغة المعبرة أو في هيكلية البناء الادبي أو في المضمون الفكري وفي ذلك يقول الشاعر العراقي المعاصر د. ضياء صكر :
مِنْ أيــــــــنَ أبدأُ والآيـــــــاتُ ألــــوانُ
ومِكْنَـزُ الـــــــدُرِّ للأشــــــــــعارِ مــيزانُ
تلكَ الحـروفُ على الأوتارِ تعــزفُها
فتطـــــربَ النفـسَ عَـلَّ النفـسَ آذانُ
جــلُّ البلاغــــــةِ تبييــــنٌ وأحــجــــــيةٌ
أولى البيانَ لهـا في الســـفْرِ عدنانُ
ذاكَ البديـعُ بهذا النّظْـمِ مَدْرســَـــةٌ
والشـاخصاتُ رُبىً إن شـاعَ بنيانُ
والشــاهداتُ علىً مِنْ أيـنَ أبدؤهـا
لا يســــتجِـنُّ العُـلا دهـرٌ وأجنانُ
أمّـا القوافي فما اسْتَعْصَتْ بأبلقِها
وذاكَ سـَـــــبقٌ وإعجـــازٌ لمَنْ دانوا
يا صائغاً حرزَها، ضجّتْ طلاسِمُها
ما كانَ ينكرُهـا، إنــــــسٌ ولا جـــــــانُ
حاول بعض الشعراء المعاصرين تفهم الشعر الجديد – الشعر الحر والمنثور – والذي اصبح نقلة فنية نوعية جديدة على ايديهم واعتبر النقاد العرب انها طفرة نوعية للشعر العربي بعد ان سار في ركاب الادب العالمي كليا كاحداث تغيير في البنية والاسلوب والفن الشعري عبر اتساع التجربة الانسانية العالمية حيث اصبحت حتمية التّغيير والتّجديد أمرا ضروريا ومهما وقد شمل هذا التجديد بالنسبة للشعر العربي التجديد في الصورة الشعرية .وفي معاني اللغة اساليبها وكلماتها . والرمزية في الشعر اضافة الى الموسيقى الشعرية
ففي مجال الصورة الشعرية والتي تعد احدى المرتكزات الأساسية في الشّعر وافضلها ولم تكن مستحدثة انما هي جزء مهم من القصيدة ونستطيع ان نقول انها الجوهر الثّابت والدّائم في الشعر حيث ترتبط وثيقا بمقياس الشّعر وتعد طريقة مهمة من طرق التّعبير على صعيد الادب عموما ففي القصيدة العمودية اهتم الشاعر العربي في بلورة افكاره وخيالاته بصورة جزئية في اطار البيت الواحد كما في الاستعارة المكنية او التشبيه بحيث تمكن الشاعر من التعبير عن حالته النفسية في اطار مشاعره والصورة الشعرية التي يرسمها لتتمثل فيها المهارة الشعرية والبراعة في التقاط اجمل الصور الشعرية والمشاهد الرائعة والتي تعبّر عن حالات ذهنية ورؤية حاذقة تفصح عن نفسها من خلال ومضات خاطفة وسريعة مليئة بالحياة.تقول الشاعرة الفلسطينية المعاصرة( ايمان مصاروة ) في احدى قصائدها الوطنية :
طُيورُ القُدْس تَصْدَحُ في الأعالي
وَتَنْشُرُ في الدُّنا صَوْتَ المعالي
وفي كلِماتها فَخرٌ أصيــــــلُ
وَعِـزٌ ليـسَ يَجْنَــــحُ للـــــزَّوالِ
ترى الآفاقَ في أملِ وحبِّ
ولا ترْنُـو إلى لَيْــلِ المُحـــــــالِ
قلوبٌ كالزُّلال العَذْبِ صَفْـــواً
وأحـــــــــــلامٌ عِظامٌ كالجبـــــالِ
هُوَ التاريخُ يَعْرِفُنا جَميعــــــاً
ويكفي الجاهليــنَ عن السُّــــــــؤالِ
اما اللغة وهي البحر الذي يستقي الشاعر منه كلمات وتعابير شعره وهو المحور الذي يندفق منه الشعر والارضية التي ينبت ويورق فيها و منها فلا يتحقق الإبداع الشّعري الا بوجود اللغة ومن خلال قواعدها واصولها وبلاغتها ، فلا يكون للشّعر تاثيرا بالنفس إلاّ عن طريق اللّغة الخالقة لهذا الشعر بجميع مفرداته واساليبه ومعانيه . ويكاد الشعر يتجوهر بالوجود اللّغوي بل ويلتصق به و من خلال وجودهما معا تحدث الاثارة الشعرية والنّشوة والدّهشة وينبعث الاهتزاز النفسي .
واللغة تبقى جامدة فاقدة لقدراتها الخلاقة مالم يستخدمها الاديب الشاعر او الكاتب فينفث فيها الروح من خلال الابداع الشعري او النثر الفني وانتقاء الكلمة المناسبة في موقعها وتعتمد على قدرة وقابلية الشاعر في ذلك فالمفردة في اللغة مادة مرصوفة ياخذها الشاعر ليوقد فيها ما يثير المشاعر ويشجن القلوب ويشحن النفوس حتى يوصلها لدرجة الاتقاد او الغليان وهنا يختلف شاعر عن شاعر وتظهر موهبة الشاعر الاسمى والافضل الهاما واعتبارا .
فلغة الشّعر ليست لغة تعبير بقدر ما هي لغة خلق وابداع ، و الشّاعر هو الشّخص الّذي يخلق الأشياء والمشاعر بطرق حديثة بما تمليه شاعريته من خلال مزاوجته اللغة بين الواقع والخيال. واللغة الشعرية تتجدد كما يتجدد الخيال الشعري او الصور الشعرية فاللغة الشعرية تاتي بمحاكاة التكوين الامثل للمفردة فيعبر عنها الشاعر بتجربته الشعرية ومن خلال تعابير متجددة مختلفة تسمو نحو الافضل تتسم بملامسة الحياة الواقعية او الانية في معايشة الشاعر للحالة التي يريد .تقول لشاعرة اليمانية المعاصرة( ميسون الارياني) في احدى قصائدها النثرية :
ما العيب في أن نكون حطبا للحياة في لعبة البرد
أو مراكبا لدخان اللهفة
أن نتوه سكارى
شحاذين على مرجان الطريق
أن نحب أنفسنا
و نحزم الخرافات قريبا من ليالينا..
أن نلعب برفق بمراجيح الروح
و رؤى الموتى
قد يكون للأرض فرصة للربح
للموت.. والصيد
للنوم على كف المد
بعيدا عن الحرب
بعيدا عن الوحدة
. يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــع
راجع كتابي ( ملامح التجديد في الشعر لعربي - طبع دار المرايا بغداد صفحة 297 وما بعدها .
.
امير البيــــــــــان العربي
د . فالح نصيف الكيـلاني
العراق- ديالى - بلــــد روز
.
******************************************
تعليقات
إرسال تعليق