التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بقلم الرائع أ/فوزي نجاجرة/////


أصدقائي متابعي حلقات رواية أمضي أم أعود ؟؟؟ المحترمين،
اليكم الحلقة رقم (٢٣) :
استمرت كل من إقبال والدكتورة سمية بالاهتمام بالمرأة في كل ما تحتاجه ليل نهار ، بعد حوالي عام كامل شفيت أم الوفا من مرضها بنسبة ستين بالمائة ، انتظمت حياتها نسبيا ، تأخذ دوائها مساء تنام طوال الليل ، تستيقظ صباحا تستحم ، تأكل وجبة الإفطار، تجلس على الطاولة تفتح الدفتر وتمسك القلم وتكتب وتفرغ كل ما زاد عن سعة دماغها . قررت أم الوفا أن تكتب كل يوم على الأقل ولو صفحة واحدة لا مقطوع ولا ممنوع . في هذا الوقت دعت كل من إقبال وجميع أفراد أسرة أم بشير ، الدكتورة سمية ، بشير ، الدكتورة ميسون ، وأم بشير، للحضور مساء إلى منزلها لتناول العشاء معها، حضرن جميعهن ، كانت أم الوفا قد أعدت سفرة معتبرة عليها العديد مما لذ وطاب، بعد تناول العشاء أحضرت القهوة من قالب كعك كبير ، تحدثت وقالت :
_ حبيباتي أم بشير وأسرتها الدكتورة سمية، حبيبة قلبي إقبال ، شكرا جزيلا لكل واحدة فيكن، أنا عاجزة عن الشكر بما تستحقينه من شكر وثناء، مهما قلت مهما عملت، فلن أستطيع إيفائكن حق ما قمتن به معي، حقيقة انا ضعت، وأخذني وحش المرض مسافة بعيدة إلى الخراب والتيه ، فلولا رحمة الله علي ولطفه بي، لولا وجودكن معي لكنت الآن في الندم والعدم. انتن الأهل والولد والسند ، شكرا لكن من كل قلبي وجوارحي ، الله يقدرني على رد معروفكن ، ربي يرضى عنكن، ويسعد قلوبكن .
وقفت إقبال ودموع الفرحة بعينيها، اقتربت من أم الوفا، طوقتها بيديها وقبلتها وهي تبكي، كذلك أم بشير والدكتورة سمية، عانقنها وقبلنها كأنما عادت المسافرة من غيبة طويلة ، لم يصدقن أن من تحتفل بهن وتكرمهن هذه الليلة، هي نفسها أم الوفا، هذا امر كبير ، حدث لم يتوقعنه بهذه السرعة، بعد غرقها في مستنقع المرض الملعون، فقد نهشها وحش المرض بأسنانه وأنيابه ومخالبه كالتنين أو الاخطبوط ، كابدت المرأة وحش المرض الذي انقض عليها ليفترسها قرابة العام ، فقد اختل توازنها النفسي والاجتماعي، مرض الوسواس القهري استفحل في دماغها، عانت المسكينة من اضطرابات عصبية وعضوية لا حصر لها، خاصة في الجهاز الهضمي ، والضغط على الأذنين، الحرارة المترددة الزائدة عن كل أنواع الحرارة، هذا بالإضافة الى سلوكياتها المرضية، كنوبات الضحك الغير مسببة ، أو البكاء والنحيب المتواصل بسبب أو غير سبب ، قالت أم بشير:
_نحمد الله العلي العظيم ونشكره يا أختي وحبيبتي أم الوفا، الذي من عليك بالشفاء ، يشهد الله علي طوال فترة مرضك ونحن جميعنا نعاني أكثر منك ، فأنت الأخت الصادقة في وقت قل فيه الصدق، وانت الوفية في وقت قل أو انعدم فيه الوفاء، أنت اسما على مسمى يا أم الوفا، أشهد الله أنك وقفت معي وقفة ألف رجل وامرأة في مشوار حياتي السابقة، منذ قدمت أول مرة على هذه المدينة ، ساعدتيني وآزرتيني خلال العشرين عاما الفائتة ، ولم تبخلي بأي شيء علي وعلى أبنائي، وأنت تعرفين أننا أسرة منكوبة نحتاج للمساعدة ، فرب الأسرة يكابد عناء الأسر المؤبد ، في سجون العدو الصهيوني العنصري، فمهما عملنا معك، نحن مقصرون يا ام الوفا ، لأن لك ديون في رقابنا أيتها الشريفة العفيفة ،
قالت الدكتورة سمية:
_ أنا غير مصدقة انك نجوت من هذا المرض الملعون ، انت يا ام الوفا أمي الثانية الحانية، لم أنسى ما حييت مواقفك معنا أنا وأسرتي، فقد كنت حافظة لأسراري أكثر من والدتي، سامحيني يا أمي يا أم الوفا، اتمنى من الله أن يحفظك بحفظه ، وأن يشفيك الشفاء التام ، يبدل مرضك الى صحة وعافية، نحن محتاجون لك يا أمي يا أم الوفا . خسارة كبيرة أن تمرضي وتعاني من هذا المرض ، نحن مقصرون معك ، وسأبذل كل ما في وسعي لمساعدتك ، في كل ما تحتاجين وفي كل وقت، فأنا ابنتك الصغيرة وتحت أمرك .
اقبال تحدثت قالت :
_ حبيبتي يا خالتي ويا أمي يا أم الوفا، أنا لم أعرفك إلا من سنتين فقط ، لكنك كسبتاحترامي ومحبتي الكبيرين لك بسرعة ، صرت لا أستوعب حياتي ووجودي في هذه المدينة، بدون أن تكوني فيها يا خالتي ، فأنت اللغز المحير بالنسبة لي بحنيتك وحبك، بقهوتك، ضحكتك، وذوقك النادر حبيبتي ، أنا وجدت نفسي مشدودة إليك بسر لا يعلمه إلا الله ، وفي مرضك كنت أدعو ربي وأترجاه بأن يشفيك ويعيدك لنا سالمة غانمة ، والحمد لله ،ربي استجاب لدعائي ، الحمد لله على سلامتك ، فانت أسعدتيني بعزومتك هذه ، حتى الآن أنا مأخوذة بهذا الحدث الاستثنائي، يسعدني أن تتذكري دائما، أنني تحت أمرك في كل ما تحتاجينه . لي طلب عندك، إذا سمحت لي ، سأرجع إلى سكني الجامعي ، لأني محتاجة أن اكون مع زميلاتي ، كي أستطيع الدراسة معهن .
_ بكل فرح ومحبة ، أخبركم أنني ابتداء من صباح الغد سأعاود العمل في المقهى ثانية ، بعد إذنكن سأطلق على المقهى اسم المقهى الجامعي الأدبي .
_ فكرة ممتازة ، في رأيي أن نطلق عليه اسم مقهى أم الوفا الأدبي . عقبت الدكتورة سمية .
*******
في صبيحة اليوم الثاني، عادت أم الوفا بعد عام من تغيبها عن المقهى ، عادت مع أم بشير لتمارس عملها كالسابق ، جلست على مكتبها المعتاد ، فقد حصل ما لم يكن في الحسبان في هذا النهار . جميع من دخل المقهى من الزبائن سعد لرجوع أم الوفا إلى المقهى مثل زمان ، الكل يصافحها يسلم عليها ، العديد من الفتيات يعانقنها ، يقبلنها، الكل ابتهج لرؤيتها وعودتها ثانية ، شيء مذهل، أمر لا يصدق حقيقة، لم تتوقف أم الوفا عن التسليم والمصافحة ، مما أكسبها ثقة بنفسها ، ارتفعت معنوياتها عاليا ، مشهد يثمن عاليا ، أخذت تتسائل في سرها، ما هذا الوفاء ! ما هذا الحب ! ألهذه الدرجة كنت مهمة أنا لهؤلاء الفئة الطيبة من الناس ؟ كان حقيقة يوما مميزا، تم إكرام الزبائن باعفائهم من دفع أثمان احتسائهم للقهوة ، كهدية واحتفالا لرجوع صاحبة المقهى سالمة معافة من مرضها، بشكل عام جميع زبائن المقهى من الطلاب ، كانوا يعلمون بمرض أم الوفا ، الأغلبية لم يتوقعوا رجوعها إلى المقهى وهي معافة من المرض الملعون .
في كل تم تغيير يافطة المحل إلى اسم ، مقهى أم الوفا الأدبي ، فقد ساعدت الدكتورة سمية على تثبيت هذا الأمر في الواقع، فالكثير من الأدباء والشعراء أخذوا يحجزون لهم مواعيد في المقهى ، لإشهار أعمالهم الأدبية في الأماسي، والعديد من مثقفي البلد صاروا يرتادون المقهى ليلا نهارا ، يجلسون يتناقشون في الأمور الثقافية، هذا الأمر أثرى دخل المحل، وجلب له زبائن ذات نوعية مختلفة ، ففي النهار يرتاده طلاب الجامعة، في المساء يشغله الأدباء والمثقفين ، طبعا انتبهت الصحافة لهذا المقهى الأدبي، ففي كل توثيقهم لأخبار الندوات الأدبية يتم الإشارة إلى اسم ومكان المقهى الأدبي، مثل تم في مقهى أم الوفا الأدبي إشهار رواية أو ديوان شعر للأديب أو الشاعر الفلاني ، وغيرها من الأمور .
بالعودة إلى حالة أم الوفا، استمرت صحتها النفسية بالتحسن، واصلت عملها بالمقهى، الأمر الذي خفف عن عاتقها التعب النفسي بعض الشيء نسبيا ، لم تغفل أم الوفا كتابة مذكراتها بشكل صادق ، تابعت كتابتها لقصة حياتها ، من حيث جاءت إلى هذه الدنيا ، طفولتها ، مراهقتها ، تعليمها، زواجها ، إنجابها لابنها وسيم ، وفاة زوجها المفاجئة ، إصرارها بعدم الزواج والارتباط بزوج ثانية ، تنشئتها لابنها وسيم ، مراحل تعليم وسيم ، المشاكل التي واجهتا هي وابنها من ناحية تكاليف المعيشة الحياتية ، عملها المتنوع والمتعدد لكسب رزقها من أجل إعالة ابنها ، تفوق ابنها الدراسي واهتمامه بالشعر والأدب ، دخوله الجامعة حتى تخرجه منها ، حصوله على وظيفة في بنك مرموق ، محاولته قتلها بإسقاطها في البئر، مغادرتها لبلدها وولدها وأهلها وهجرها لهم ، المشقة التي واجهتها في رحلتها احلى هذه المدينة الغريبة عليها ، كيفية تدبر أمور عملها وسكنها ، عملها في بيع الخضار في السوق لمدة لا تقل عن ثمانية سنوات ، عملها في المقهى الجامعي ، نجاحها في عملها ، مساعدة ام بشير واسرتها لها ، العلاقة الحميمة بينها وبين أسرة أم بشير ، حنينها الى أهلها وابنها، مرضها في هذا السن المتأخر وقد بلغت الستين من عمرها .
كل هذه المواضيع واكثر كانت أم الوفا قد دونتها باحتراف ، باسلوب أدبي شيق راقي ، لم تغفل تسجيل محاولاتها الشعرية وخواطرها بين الحين والأخر ، بشكل عام دأبت ام الوفا على المحافظة على مطالعتها للكتب الأدبية ، سواء شعر أو نثر ، خاصة فيما يتعلق بالأدب العالمي لأشهر الأدباء والكتاب العالمين، من أمثال مكسيم جورجي ، ديستوفسكي، تشيخوف ، تولستوي ، تشارلز دكينز ، فيكتور هيجو ، ناظم حكمت ، أغاثا كرستي، ميغل دثربانتس ، نجيب محفوظ ، حنا مينا ، غابرئيل ماركيز ، كافكا وغيرهم . كل ما كانت تقوم بكتابته تعطيه أول بأول للدكتورة سمية ، والتي بدورها تقوم بتدقيق الكتابة من حيث الإملاء، النحو، الصرف، مضمون النصوص ، وكل ما يتعلق بفن الكتابة الأدبية وجمالياتها ، طبعا فان مستوى الدكتورة سمية لا يستهان به ، خاصة وأنها تشغل منصب رئيسة دائرة اللغة العربية في الجامعة ، لم تغفل الدكتورة سمية تشجيع أم الوفا والإطراء عليها ، لترفع من معنوياتها من أجل المساعدة في شفائها من مرضها ، ذلك كله بالتعاون مع الطبيب النفسي الذي يتابع حالة أم الوفا باستمرار .
*******
بعد مرور عام على بدء كتابة أم الوفا لمذكراتها ،
يتبع في الحلقة رقم ( 24) يوم غدا إن شاء الله.

ا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الرائع أ/شوكت صفدي/////

"... نسيت وجعي، تعطر حزني بالحرية، نأيت عن أزمنة الشقاء، أزمنة الموت قهراً، وتوقفت معك لحظات الحلم، مبللين بأمطار تشرين ورعود تشرين ورياحه ووريقاته فوق قارعة الطريق القديمة، وعطره الخريفي.. وكانت جميعها تعزف موسيقا رقصتنا !.. جزء مني عاد إلى جسدي، وظل جزئي الآخر يرقص بين أطيافك.. سألتني أن نجعلها ألف عام قادمة.. وقلت، بل أريدها أن لا تنتهي خلود الزمن... لم تنقطع موسيقى الوجود لحظة، ولم ينقطع عزيف المطر والريح فوق النافذة، ونيران الموقد لم تخمد جواري... ومراهقتي التي هربت زمناً، ها هي تركض فوق الطرقات عائدة إلي، ترقص تحت المطر.. وشبابي المهاجر يستقبلني بشعر أشقر.. وطفلي الضائع في الغربة، يرجع من الفرار الى صدري، وإلى حضن وطن.. " يا عطر " . " عطر خريفي : من رواياتي "

بقلم الرائع أ/محمود عمر/////

«شرفة العمر الحزين» *********** عشت عمري كله شتاء وخريف وظللت أحلم كل يوم أن يأتي الربيع وطال بي الانتظار في شرفة العمر الحزين أتدثر بالأمل كلما اشتد بي الصقيع وكلما مر عام أنتظر البشارة تأتي في عام جديد يأتي فيه الربيع مرت الأعوام تباعاً عام خلف عام خلف عام والأيام تزداد قسوة والعمر شيء فظيع كم تمنيت أن يسرع الخطى ولكن الأمنيات عندي مستحيلة في زمن القساوة شنيع لم تشفع عنده طيبة القلب... ولا طيلة الصبر على الأحزان... ولا كثرة جروح الروح وآلام القلب وكأن الفرح علي منيع...!! حتى جاءني سهم الموت في وتين القلب من سند الحياة ممن ادخرته للأيام عوناً وليت الموت وقيع  لأذوق الموت مراراً  وطعم السكرات مرير...!!  أيا موتاً يأبى  يقربني  ألا لك من سبيل أسلكه...؟!  أو باباً أكون له قريع...؟!  لأترك دنيا نكرتني  فكرهت كل ما فيها  فكل ما فيها وضيع  فامدد يدك بكأس المنايا  فكم تجرعت أمر منه...!!  ولم أشتك يوماً  وكن معي خير صنيع...!!  محمود عمر

بقلم الرائع أ/عبد الرحمن القاضي/////

"غَزَليَّة" في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا نَدنوْ مِنْهُ ولا يأتيْنا نُهدِيْ عِطْرَ الحُبِّ إلَيْهِ ويُعَشِّمُنا ويُمَنّيْنا فَرْدٌ مِنْ عائِلَةِ الوَرْدِ يَنْضَحُ فُلّاً أو ياسَميْنا يَضْحَكُ إنْ قد كُنْتُ سَعيداً أو يَبْكِيَ إنْ صِرْتُ حَزيْنا ما في قَلبِيَ إلّا أنْتَ أمّا غَيْرُكَ لا يَعْنيْنا في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا... ! #عبدالرحمن_القاضي