التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بقلم الرائع أ/عبد العزيز عميمر/////


.سنلتقي معا ياولدي.

_ مكوّمة داخل بعضها لتغلق منافذ البرد وتمنعه من التسرّب لعظامها،التي أصبحت هشّة ،بعد العمر الطويل، اتخذت سقيفة باب البنك مأوى لمبيتها حتى تحتميَ من الأمطار ،ورقدت أمام الباب.
_ كانت تجرّ البؤس،او لنقل ربّما البؤس هو الذي كان يجرّها غصبا عنها، ذاقت الهوان والذلّ ،وانتفخت عيناها بكاء ،لكن خفية،كانت تخجل أن يطّلع ولدها،أو الناس على ذلك،وهذه طبيعة النفس العزيزة المتعاليّة بكبريائها،والتي عاشت في دلال النفس التي لا تمدّ يدها.ولا تنتظر عطف الناس.
_ في تلك الليلة كان البرد على غير العادة،وفي ليلة ممطرة،والثلوج تساقطت حتى في المدينة،فملأت الأرصفة،وغطّت السيارات،أما الأشجار فبانت وكأنها ترتدي فساتين بيضاء للعرس ترقبا للزفاف،وأصبحت صورها لها معان ،حسب الطول، وتفرّع الأغصان،وحجم الجذع،فكانت شبيهة بديناصورات عملاقة ،تمدّ أذرعها وأجنحتها.
_ كل هذا وخالتي عائشة بدون طعام ولا شراب،ليت هذا فحسب ،لقد أهلكها البرد،وتحسّ بأنه اقتحم عظامها،ترتعش ولا تقوى على الحركة،جنبها على البلاط وكأنّه ثلاجة ،والجنب العلوي تعبث به الرياح وبرودة سيبريا، تبحث عن الدفء، أيام زمان،حينما كان زوجها حيّا،كانت السيّدة ،بمالها ولباسها،ودارها،وبجمالها التي كانت تتقن فنياته أمام المرآة،أيام دلالها،مع زوجها الطيّب،عاشا كالعصفورين،وتعاونا في بناء عشّهما.
_ أنجبا عليا، طفل واحد،تربّى في أحضانها،فكانت هي الأم والأب،وكانت تأخذه معها ،عند الجيران والناس،حينما كانت تنظّف السلالم ،وتمسح الأرض،وتغسل الصحون والملابس،مقابل دنانير معدودة، كان ظهرها يؤلمها من شدّة العمل، ومع ذلك تخفي الأمر حتى يفرح ولدها ،وتشتري بهما لباس علي وأكله، وعندما كبر،كبر مصروفه،في الكتب والكراريس، كانت لا تتركه يشعر أبدا بتفوق أصدقائه عليه،حتى لا يحسّ باليتم ،أو بعقدة ويعيش حياة كريمة، حتى تزوّج ووجد عملا مريحا.
_ لكن زوجة ابنها كانت تطردها ولا تتركها تمكث في البيت،وكانت تخفي على ولدها الأمر،وتخاف أن تخلق لولدها مشاكل وتكون هي السبب،في الفراق أو الطلاق، وكانت تمدحها وتثني عليها،وعلى علاقتها الطيّبة معها، وأنها تعتبرها كأمّها ، تكذب لاستمرار الودّ والإحسان وراحة ولدها علي .
_ كانت تتحدث مع نفسها ،وتعصر ذاكرتها،ومن حين لآخر ،تشتهي الطعام ،ولوكسرة،أومطلوعا، وكانت ترى زوجها يناديها ،عائشه ! انظري ،انا هنا تعالي للدفء أنا انتظرك .
_ وفي الصباح وعند موعد فتح البنك ،جاء الحارس ليفتح الباب فوجدها ،فناداها ،فلم تجب،فمد يده وحركها فوجدها يابسة مجمّدة، ويدها قابضة على صورة ابنها علي ،وكأنّها تقبّله وتودّعه لحبّها الشديد له،فهو رأس مالها عاشت من أجله وماتت من أجله،وقد انتقلت الروح لخالقها،نظر لوجهها وأغمض عينيها وقال: ربي يرحمك خالتي عائشة.
_ سمع علي الخبر ،فأسرع للمستشفى ،يجري، ويجري ولا يلتفت ،ولا ينظر لشيئ إلا لصورة أمّه،ولم ينتبه لسيارة قادمة ، قذفته كالكرة ،أحسّ بسائل ساخن يسيل على خدّيه ،أمّي أنا آت إليك ! انتظريني، جئتك بفستان الفرح ،وباللون الذي تحبينه، اللون البنفسجي يليق بك!
أمّي ! أمّي........!!
_ يقوم الجيران بالواجب وتدفن الأم مع ابنها في نفس المقبرة،يتعانقان في العالم الآخر ،بعد أن منعا من اللقاء في بيت الدفء.
عبد العزيز عميمر. كاتب وقاص من الجزائر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الرائع أ/شوكت صفدي/////

"... نسيت وجعي، تعطر حزني بالحرية، نأيت عن أزمنة الشقاء، أزمنة الموت قهراً، وتوقفت معك لحظات الحلم، مبللين بأمطار تشرين ورعود تشرين ورياحه ووريقاته فوق قارعة الطريق القديمة، وعطره الخريفي.. وكانت جميعها تعزف موسيقا رقصتنا !.. جزء مني عاد إلى جسدي، وظل جزئي الآخر يرقص بين أطيافك.. سألتني أن نجعلها ألف عام قادمة.. وقلت، بل أريدها أن لا تنتهي خلود الزمن... لم تنقطع موسيقى الوجود لحظة، ولم ينقطع عزيف المطر والريح فوق النافذة، ونيران الموقد لم تخمد جواري... ومراهقتي التي هربت زمناً، ها هي تركض فوق الطرقات عائدة إلي، ترقص تحت المطر.. وشبابي المهاجر يستقبلني بشعر أشقر.. وطفلي الضائع في الغربة، يرجع من الفرار الى صدري، وإلى حضن وطن.. " يا عطر " . " عطر خريفي : من رواياتي "

بقلم الرائع أ/محمود عمر/////

«شرفة العمر الحزين» *********** عشت عمري كله شتاء وخريف وظللت أحلم كل يوم أن يأتي الربيع وطال بي الانتظار في شرفة العمر الحزين أتدثر بالأمل كلما اشتد بي الصقيع وكلما مر عام أنتظر البشارة تأتي في عام جديد يأتي فيه الربيع مرت الأعوام تباعاً عام خلف عام خلف عام والأيام تزداد قسوة والعمر شيء فظيع كم تمنيت أن يسرع الخطى ولكن الأمنيات عندي مستحيلة في زمن القساوة شنيع لم تشفع عنده طيبة القلب... ولا طيلة الصبر على الأحزان... ولا كثرة جروح الروح وآلام القلب وكأن الفرح علي منيع...!! حتى جاءني سهم الموت في وتين القلب من سند الحياة ممن ادخرته للأيام عوناً وليت الموت وقيع  لأذوق الموت مراراً  وطعم السكرات مرير...!!  أيا موتاً يأبى  يقربني  ألا لك من سبيل أسلكه...؟!  أو باباً أكون له قريع...؟!  لأترك دنيا نكرتني  فكرهت كل ما فيها  فكل ما فيها وضيع  فامدد يدك بكأس المنايا  فكم تجرعت أمر منه...!!  ولم أشتك يوماً  وكن معي خير صنيع...!!  محمود عمر

بقلم الرائع أ/عبد الرحمن القاضي/////

"غَزَليَّة" في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا نَدنوْ مِنْهُ ولا يأتيْنا نُهدِيْ عِطْرَ الحُبِّ إلَيْهِ ويُعَشِّمُنا ويُمَنّيْنا فَرْدٌ مِنْ عائِلَةِ الوَرْدِ يَنْضَحُ فُلّاً أو ياسَميْنا يَضْحَكُ إنْ قد كُنْتُ سَعيداً أو يَبْكِيَ إنْ صِرْتُ حَزيْنا ما في قَلبِيَ إلّا أنْتَ أمّا غَيْرُكَ لا يَعْنيْنا في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا... ! #عبدالرحمن_القاضي