التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بقلم الرائع أ/فوزي نجاجرة/////


أصدقائي المحترمين أتمنى لكم قراءة ماتعة مع الحلقة رقم (١٦) من رواية ستشرق الشمس ثانية :
إنت سألتني قبل عشرة أيام ليش أنا رفضت كل الشباب اللي اتقدموا لخطبتي، وكمان ليش أنا وصلت الستة وعشرين عام وأنا بدون جيزة؟ صح هذا الكلام؟
- مزبوط، أنا دائمًا بأسأل حالي، ليش زهرة رفضت كل الشباب اللي اتقدموا إلها؟
- سعيد، بعد ما أنهيت دراستي الثانوية، التحقت بالدراسة في جامعة بيت لحم، تخصص خدمة اجتماعية، ولما كنت في السنة الأولى من الدراسة، ذهبت إِلَى محلات الألبسة في مدينة بيت لحم، لشراء بعض الملابس، دخلت على أكثر من ثلاث محلات ولم أجد طلبي، وعندما دخلت المحل الرابع وجدت هند حسين فخري بنت قريتنا، وهي بتكون عمة الشرطي ابن قريتنا، اللي بخدم في سلك الشرطة الإسرائيلية في مدينة بيت لحم، اللي إنت بتعرفه، يوسف فخري، وجدت هند تعمل بائعة في نوفوتيه الملابس، رحبت بي، واستقبلتني أحسن استقبال، وبعد ما اخترت بعض قطع الملابس، أدخلتني لغرفة القياس، لأقيس الملابس اللي اخترتها، وحسب ما تعرف فهناك في الغرفة يتعرى الشخص، وبعد ما تأكدت من قياس الملابس وشكلها علي، اشتريتها ودفعت ثمنها وغادرت المحل، وبعد أسبوع، في مساء يوم خميس، كنت خارجة من الجامعة، وعلى بعد ثلاثمائة متر منها، تفاجأت بشخص مقنع راكب دراجة هوائية بيقترب مني، حامل مغلف، قال هذا لك يا زهرة، تفحصت المغلف، مسجل عليه اسمي، ارتعد بدني كله من الخوف، وتساءلت مين هذا المقنع، وشو موجود داخل هذا المغلف!
وصلت منزلي، وأغلقت غرفتي، وفتحت المغلف، لقيت بداخله أربع صور إلي وأنا عارية، صور من الحجم الكبير، ورسالة مرفقة معها، مكتوب فيها: "إذا لم تحضري الليلة القادمة، أي ليلة السبت الساعة الثامنة مساء إِلَى بيت (س ص)، بكامل زينتك وهيئتك؛ فسوف نرسل هذه الصور إِلَى والدك وإخوتك، وسنضع الكثير منها في ساحات المدارس وفي الطرقات والمساجد، وقد أعذر من أنذر".
حالة من الذعر والخوف انتابتني، وشعرت إنو سقف البيت وقع فوق رأسي، زغللت عيناي وارتخت أطرافي، غثيان وضغط كبير داهم رأسي، فكرت وتأكدت إنو هذه الصور أخذت لي في محل نفوتيه الملابس، مكان عمل عمة يوسف فخري.
اسودت الدنيا في عيوني، واقتنعت إنا بنعيش في مجتمع تسيطر فيه الوحوش المفترسة، وإنا محكومين بقوانين الغاب، احترت كثير وقليل، وأفكار سودا متنوعة خطرت في بالي، أنتحر؟ ولا أروح أذبح المجرمة هند فخري بسكين وأقطع رقبتها مثل العنزة؟ ولا أخبر والدي أو والدتي؟ في المحصلة ارتعبت كثير، وحالة من الخوف سيطرت علي، ما نمت طوال الليل، ولا أكلت ولا شربت، ولقيت نفسي رايحة للبيت اللي أمروني أروح إله في تمام الساعة الثامنة.
ضغطت على جرس الباب، وفتحت لي هند فخري بائعة النوفوتيه، وأدخلتني غرفة جالس فيها ابن أخوها يوسف فخري، ما بدي أطول عليك الكلام، اللي حصل حصل، اغتصبني ليلتها، وأجبرني على النوم معه لأكثر من ثلاث مرات بعدها.
ما لقيت إلا زميلة تدرس معي حدثتها باللي أنا واقعة فيه، وتحدثت مع أخوها من الكتلة الوطنية، فاستفسر مني عن المشكلة، وطلب مني عدم التجاوب مع هذا الكلب، وبعد عدة أيام حرقوا نوفوتيه الملابس بالزجاجات الحارقة، أما يوسف فخري فانضرب على إيدين شباب ملثمين في ساحة المدبسة، وسط مدينة بيت لحم، ومن يومها لم يتجرأ على إِزعَاجِي هذا الساقط.
هذا اللي حصل معي يا سعيد بالضبط، وكل ما كان يجي شب ليخطبني، كنت أخاف وأرفضه، ومضت السنين وأنا خايفة أتجوز من أي رجل، وهاي قصتي يا سعيد، وإنت حر هلكيت، إما بتقبلني وبنتجوز، وإما ما بتقبلني، وهيك أنا خلصت ضميري قدامك وقدام ربنا، والقرار قرارك يا سعيد! أنا ما بدي إنكمل مع بعض، وبعدها إتبلش المشاكل، وخذ وهات وبعدها طلاق، الأحسن من هلكيت نعرف بعض أحسن ونتفاهم، أرجوك يا سعيد، إذا بدك تتخلى عني، لا تفضح سري..
- ياه..! وكل ما نحكي مع بعض، إتقولي خلينا نفهم بعض أكثر يا سعيد، وأنا شو كنت أقول أنا فاهمك مية في المية، ياه، شو طلعت أنا جاهل!
لفت الأَرضُ بي ودارت بسرعةٍ، صرتُ أرى الكراسي تلف، والجدران تدور، والثريا تتحرك، ومنفضةَ الدخان شاحنةً كبيرةً مسرعةً لتدعسني، حاولتُ أن أُمسك بالكنبة، لكنني لم أستطع؛ فَسقطتُ أرضًا، وارتطم رأسي في رِجل كرسي، مما تسبب في جرحِ رأسي، ونزف الدمُ قليلًا، غير أَني لم أَفقد الوعيَ، فقلت لزهرة:
- اسمعي يا بنت الناس، والله أنا حبيتك، والله أنا ما قصدي إلا إني أنستر مع بنت حلال، أنا إتعبت كثير من الخطب، ومن كل الجيزة، ومن كل البنات!
لا حول ولا قوة إلا بالله، والله إنت تعرضت لجريمة من هذا الشب المجرم، ومن عمته هند، هذول الناس بعملوا لصالح العدو الصهيوني، وبقوموا بالإيقاع بالفتيات والشبان الأبرياء، يا ويلهم، يا ظلام ليلهم، والله لو بأقدر أطخه عشر رصاصات ما بأوفر، حسبي الله المنتقم الجبار عليه، اللهم لا حول ولا قوة إلا بالله، والله لن ينجو أبدًا من سوء أعمالهم.
اسمعي يا زهرة، إنت إنسانة صادقة مية في المية، مش لازم رحتي على دورهم، ولا سلمتي نفسك لهم، لازم خبرتي والدك وإخوتك مباشرة، لما وصلتك الصور والتهديدات، أنا صحيح إتعلمت في الجامعة، وأنا واعي لقضايا الاغتصاب والإسقاط، وبأعرف إنك إنت انظلمت، وكل الحق على هذه البنت القوادة، هند بائعة الملابس، ويوسف فخري معدومي الضمير والأخلاق، بس أنا إنسان إتربيت تربية شرقية ، "والله نفسي ما بتتقبل أغمس من صحن مغمس منه"، سامحيني يا بنت الناس، ما إلك عندي ذنب، ولا في رقبتي خطية، بأتمنى إلك التوفيق، وبأوعدك إني ما أكشف سرك أبدًا، زهرة سرك في بير عميق طولة وأنا عايش، وبأتمنى على الله إنه يوقع يوسف فخري بين إيديا، والله حينها ما بأرحمه.
تركت العروس زهرة وبيتها، وتوجهت إِلَى داري، وجدت أَبي منشغلًا في الطبخ والنفخ، وقفتُ أَمامه وأَنا في حالةٍ يُرثى لها، ولما انتبه تفاجَأَ، وسألني:
- يا ستار يا رب! شو الخبر يا عريس؟ يا كافي البلا، شو مالك يابه؟ مين اللي ضربك، شو هذا الدم النازل من جبهتك؟ شو صاير معك؟ قول مين اللي اعتدى عليك؟
- يابه ما حدش ضربني، بس أنا بدي أحكي معك لوحدك.
- تعال يا ابني سعيد، خبرني شو اللي صاير معك؟
- يابه صارت معي مشكلة عن صحيح، وبدي منك تسمعني إمليح، يابه اليوم العروس زهرة اللي إنت اخترتها إلي، صارحتني وخبرتني إنها..، وبعدين..
- ولك شو بتقول؟ سمِّعني، عاود عيد اللي قلته مرة ثانية، أنا ما سمعت شو اللي قلته!
- يابه اليوم عروستي زهرة صارحتني إنها.. وإنها..
- شو هالحكي؟ يلعن أبوها بنت كلب، يلعن أبوها وأبو أبوهاااااااااااا، والله إلا أروح أكسر راس ابوها وكل عيلتها هلكيت، روح جيب إلك هراوة وإلي هراوة، ونادي على ولاد عمامك، اليوم بدنا نقتلهم كلهم هالعرصات، الأنذال، الوسخين، يبقى هيذ، مش أبو سعيد اللي بنضحك عليه، مش أبو سعيد اللي بنغش.
وبحزمٍ قلت:
- يابه، اسمعني من شان الله، يابه بلاش نفضح البنت وأهلها، إمليح اللي هي خبرتني اليوم، وما ظلت ساكتة، يابه بترجاك لا تعمل فضايح، أنا بدي منك وبترجاك لا تجيب سيرة لحدا، حرام نفضح البنت، في عندنا خوات وخالات وعمات، بس اسمعني، خلص من شان الله، أنا ما ظل إلي نفس أتجوز زهرة أبدًا، ولو إنها نجم السحور.
أنا ما بدي أكمل العرس، يابه إنت إتصرف بعقلك وبحكمتك الله يخليك، أنا مش مكتوب إلي السعادة، يا ريت ما سميتني سعيد، لازم سميتني تعيس شقي، بدي أنا من اليوم ورايح أغير اسمي، ما بدي اسم سعيد، أنا حر في إني أختار اسمي، من حقي أغير اسمي، ما بدي تنادوني سعيد، أنا مش سعيد أبدًا.. أنا أتعس إنسان على كوكب الأرض.
- اهدا يا بنيي سعيد وأنا بأتصرف، ولا يكون إلك فكر أو هم، يلعن أبو أحسن واحد في عيلة زهرة، كل إشي هلكيت بده يتوقف، وما بدنا إياها، خلص ارتاح يا بنيي.
- شكرا إلك يابه لأنك تفهمت موقفي، الله يخلينا إياك.
- يا ابني لا تشكرني، الشكر لله رب العالمين من قبل ومن بعد في الأول والآخر، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وأصحابه أَجمعين، والله يجيب إلنا الخير، هذه البنت ما لها نصيب عندنا، وقال الله تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُمْ﴾.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الرائع أ/شوكت صفدي/////

"... نسيت وجعي، تعطر حزني بالحرية، نأيت عن أزمنة الشقاء، أزمنة الموت قهراً، وتوقفت معك لحظات الحلم، مبللين بأمطار تشرين ورعود تشرين ورياحه ووريقاته فوق قارعة الطريق القديمة، وعطره الخريفي.. وكانت جميعها تعزف موسيقا رقصتنا !.. جزء مني عاد إلى جسدي، وظل جزئي الآخر يرقص بين أطيافك.. سألتني أن نجعلها ألف عام قادمة.. وقلت، بل أريدها أن لا تنتهي خلود الزمن... لم تنقطع موسيقى الوجود لحظة، ولم ينقطع عزيف المطر والريح فوق النافذة، ونيران الموقد لم تخمد جواري... ومراهقتي التي هربت زمناً، ها هي تركض فوق الطرقات عائدة إلي، ترقص تحت المطر.. وشبابي المهاجر يستقبلني بشعر أشقر.. وطفلي الضائع في الغربة، يرجع من الفرار الى صدري، وإلى حضن وطن.. " يا عطر " . " عطر خريفي : من رواياتي "

بقلم الرائع أ/محمود عمر/////

«شرفة العمر الحزين» *********** عشت عمري كله شتاء وخريف وظللت أحلم كل يوم أن يأتي الربيع وطال بي الانتظار في شرفة العمر الحزين أتدثر بالأمل كلما اشتد بي الصقيع وكلما مر عام أنتظر البشارة تأتي في عام جديد يأتي فيه الربيع مرت الأعوام تباعاً عام خلف عام خلف عام والأيام تزداد قسوة والعمر شيء فظيع كم تمنيت أن يسرع الخطى ولكن الأمنيات عندي مستحيلة في زمن القساوة شنيع لم تشفع عنده طيبة القلب... ولا طيلة الصبر على الأحزان... ولا كثرة جروح الروح وآلام القلب وكأن الفرح علي منيع...!! حتى جاءني سهم الموت في وتين القلب من سند الحياة ممن ادخرته للأيام عوناً وليت الموت وقيع  لأذوق الموت مراراً  وطعم السكرات مرير...!!  أيا موتاً يأبى  يقربني  ألا لك من سبيل أسلكه...؟!  أو باباً أكون له قريع...؟!  لأترك دنيا نكرتني  فكرهت كل ما فيها  فكل ما فيها وضيع  فامدد يدك بكأس المنايا  فكم تجرعت أمر منه...!!  ولم أشتك يوماً  وكن معي خير صنيع...!!  محمود عمر

بقلم الرائع أ/عبد الرحمن القاضي/////

"غَزَليَّة" في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا نَدنوْ مِنْهُ ولا يأتيْنا نُهدِيْ عِطْرَ الحُبِّ إلَيْهِ ويُعَشِّمُنا ويُمَنّيْنا فَرْدٌ مِنْ عائِلَةِ الوَرْدِ يَنْضَحُ فُلّاً أو ياسَميْنا يَضْحَكُ إنْ قد كُنْتُ سَعيداً أو يَبْكِيَ إنْ صِرْتُ حَزيْنا ما في قَلبِيَ إلّا أنْتَ أمّا غَيْرُكَ لا يَعْنيْنا في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا... ! #عبدالرحمن_القاضي