أصدقائي المحترمين متابعي أحداث رواية ستشرق الشمس ثانية ، اتمنى لكم قراءة ماتعة مع احداث الحلقة رقم (١٧) :
بعد أن التقيتُ الحاجة صفية؛ والدة مسعدة، في المسجد الأَقصى، ضربتُ بما دارَ بيننا من حديثٍ عرض الحائط؛ بسبب رفضِ والدي من الاقتراب مرةً ثانيةً من أَهل مسعدة، ثم قمت بعدها بخطبة فتاة أُخرى غير مسعدة؛ وهي زهرة عليان، حينها اقتنعت مسعدة وأَهلُها أَنه لا يمكنهم التفكير بي مرة أُخرى كزوجٍ لابنتهم؛ بدليل أَنني خطبتُ من غيرها، فقرروا إِيجاد عريسٍ لابنتهم، وتبرع لهذه المهمة أختُها ربحية وزريفة زوجة أخيها موسى كَعادتهن، وقد بتن يقتنعن أنه لا أمل لديهن في إيجاد عريسٍ بمواصفاتٍ عالية، فقررن أن يجدن عريسًا يمتلكُ نقودًا كثيرةً، بغض النظر عن وضعه الاجتماعي أو سمعته، وبعد تمحيصهن في رجال البلدِ؛ عثرن على رجلٍ تتناقضُ صفاته مع المقاييس والأَعراف الدينية والوطنية السائدة في مجتمعِنا الْفِلَسْطِينِيّ، ولكنه ثريٌّ، يُدعى يوسف فخري، تفاجَأَ أهل البلد كما تفاجَأت أنا بسماع خطبةِ يوسف فخري لمسعدة، إنه يوسفُ فخري نفسه، الذي اعتدى علَى خطيبتي السابقَة زهرة.
معروفٌ عن هذا الرجل بِأَنه سيئُ السيط والسمعة والعياذ بالله، ومن المعروفِ لكل الناسِ بأنه من أوائل الشباب الذين انخرطوا في العمل بشرطة الاحتلال الصهيوني طواعيةً، بعد سقوط كامل بلادنا فِلَسْطِين في ١٩٦٧م لصالح الاحتلال، فقد نكل بأَبناء شعبِه الشرفاء، وكان عينًا عليهم للعدو، وتَآمر ضدَّهم بكل ما أُوتِيَ من طاقاتٍ دونية وعدوانيةٍ هدامَة.
يمتلكُ يوسف فخري بيتًا جيدًا بثلاثة طوابق، وسيارة مارسيدس فاخرة، ويعد من الأَثرياء في البلد؛ إلا أَن الكل يعرف مصدر أَمواله، ويتفق الجميع على أَنها مالٌ حرامٌ في حرام، واكتسبها من خيانته لأهله ولوطنِه، ومن لعبِه للقمار.
كان يوسُف فخري متزوجًا للمرةِ الثانيةِ من امرأةٍ علَى شاكلتهِ، وتُدعى قمر الزمان، وهي بنت أَحد أَصدقائهِ وندماء كأسِه المقربين، وقد كسبها من أَبيها على طاولةِ القمار المشتركة، من بين كؤوس الويسكي، في أحد مواخير المدينة، عندما خسرَ والدُها أَمامه كل أَمواله في لعب الورق، فرهن طفلتَه ابنة الثالثة عشرة سنةً للمقامرة عليها مع يوسف فخري، والنتيجة أن خسر والدُها أيضًا أَمام يوسف فخري، ولكنه هذه المرة لم يخسر النقود، بل خسرَ ابنتهُ الطفلةَ قمر الزمان، فما كان من يوسف فخري إلا أَن كسبَ بدلًا من النقودِ عروسًا عمرها ثلاثة عشر عامًا، اسمها قمر الزمان.
وعلى الفورِ؛ قام يوسف فخري بطرد زوجتِه الأُولى، وهي ابنةُ عمهِ، وتدعى عزيزة، وطلقها بعد ستةِ أعوامٍ من زواجهما دون إنجابٍ.
تزوج يوسف فخري من قمر الزمان، التي كسبها عن طريق الرهان، فعاشت معه ثلاث سنواتٍ خسرانًا في خسران، تخللَتها حياةٌ زوجيةٌ بائسةٌ مليئة بالخلافات المستمرة والأحزان.
كان المذكور يوسف فخري سيئًا جدًّا، ومن أَهل الشر، فكثيرًا ما كان يُشاع عنه من هنا خبرٌ، ومن هناك أخبارٌ، وكلها تصبُّ في خانة العالم السفلي من العمالة مع الاحتلال، إِلَى الخيانة والتجسسِ على المقاومين الشرفاء، وتسليمِهم للمخابرات الصهيونية وعساكرها، أضف إِلَى ذلك معاملته القذرة لعامة الناس من أبناء شعبهِ؛ كونه شرطيًّا إسرائيليًّا، فكانَ يَستغل نفوذَه لاضطهادهم وإِذلالِهم؛ وذلك بتسجيلِ الغرامات المالية الباهظة عليهم وعلى سياراتِهم، كذلك زجّهم في السجونِ، وتعذيبهم، والبطش بهم، وهو في كل ذلكَ لم يتوقف يومًا ما عن التفاخرِ بنفسه، وبإِسقاط الفتيات الجميلاتِ والفقيرات، وتقديمهنَّ لقمةً سائغة للجنود اليهود ليتسلوا بهن.
كان وقع خبر خطبة يوسف فخري لحبيبتي وعروسي السابقة مسعدة صاعقًا على أَهل البلد كما كانَ عليَّ، لقد صُدِمَ كلُّ من سمعَ بهذا الخبر، وغضب الجميعُ، وتأثروا، ورفضوا هذا الأَمر، أما أنا فلم أَعرف ما عليَّ فِعله، فأَصابتني الهمومُ والحيرةُ والاكتئاب، وصار كيدي في نحري، وخاصةً ما عرفتُه من خطيبتي السابقة زهرة، حيث قامَ يوسف فخري بالإيقاع بها هو وعمته هند، وذلك بتصويرها خلسةً وهي عارية في متجر الملابس، ومن ثم ابتزازها، والإِيقاع بها وبشرفها.
شعرتُ أن المجتمع مليءٌ بالظلمِ والبغيِ والعدوانِ والباطلِ، لماذا رفضَ أهلُ مسعدة في يومٍ من الأَيام تزويجي من ابنتهم، بعدَ أَن كنتُ قد عقدتُ قِراني عليها، وكانت تعدُّ زوجتي شرعًا وقانونًا، إِذ لم يتبقَّ على دخلتنا سوى أَربعٍ وعشرين ساعةً، فحاولوا ذبحها، وضربوني، وطردوني شر طردة، وأَجبرونا على الانفصال وترك بعضنا، لم أَكن في يوم من الأَيام سيئًا، على العكس من ذلك؛ فلم تطاوعني نفسي في يوم من الأَيام أَن أَرتكبَ ما يغضب رب العالمين، أَو يغضبُ شعبي، لم أَشرب الخمورَ في حياتي، لم أَزْنِ ولم أَسرق، ولم أَخُنْ وطني، فقد كنتُ دائمًا في طليعة الرافضين والمقاومين للاحتلال الاسْتِعْمَارِيّ وأَذنابه، كانت هي الإِنسانَة الوحيدة، من دون كل بناتِ فِلَسْطِين، التي أَحببتُها، واخترتُها لتكون شريكةَ حياتي، رفضوا زواجي منها، وآثروا أَن يزوِّجوها لشابٍّ مخنث في المرة الأُولى؛ لأَنه يمتلكُ مالًا وثروةً، حتى لو كان مصدرها الشيطان، أَعترف بخطئي في المرة الثانيةِ؛ لِأنني لم أَستطع إِقناعَ والدي بالتقدمِ للزواج من مسعدة، لكِن تزويجَها لشخصٍ سيئٍ –أيضًا- في المرة الثانيةِ أَمرٌ رهيبٌ في حقِّ هذه الإِنسانة، وأَعده عقابًا كبيرًا لها ولي على السواء، من غير ذنبٍ أو خطيئةٍ منا.
لم أستطِع تصور أو استيعاب أَمر زواجِ عروسي السابقة من هذا الشخصِ، أَو من أي شخصٍ غيري، وعندما فكرت بهذا السلوكِ المشوهِ الذي ينتَهجُهُ المجتمع؛ وتفضيلهم هذا الفاسد عليَّ، فكرتُ في أَن أُهاجرَ من الوطن، وأَن أَسعى في أَرضِ الله الواسعة، لعلي أجد راحةَ بالي ونفسي هناك في موطنٍ آخر.
مضى على زواج يوسف فخري من الطفلةِ قمر الزمان ثلاثُ سنين، وأَصبحت بنتَ ستة عشر عامًا، في منتصف مرحلة المراهقة، وفي أَواخر مرحلة الطفولةِ المتأخرة، وفي هذه الفترة يَنضجُ الفردُ نضوجًا جسديًّا أَسرع من نضوجِه العقلي، وبالتالي فإِن أَعضاءَ جسده وغرائزه وحاجاته الفسيولوجية هي التي تتحكمُ في سلوكه، وليس دماغه، فنضوجُ الدماغ يتأخر اكتمالُه قليلًا، إذ يكتمل نضوجُ الدماغ ويستقرُّ ما بين عمر العشرين، والرابعة والعشرين عامًا، لا قبل ذلك، أي أن سلوك المراهقين يكون غرائزيًّا أكثر منه عقلانيًّا، لذلك فإنهم يخطئون كثيرًا، ويختبرون الحياة عن طريق تجربة الصح والخطأ إلا مَن رحم ربي، وعليه فإِن زوجة يوسف فخري لم تكن متوازنة وناضجةً كبقيةِ النساء، فهي تعدُّ من وجهة نظر علماء النفس مثل فرويد طفلةً، وتمر في مرحلة الطفولة المتأخرة، وتعدُّ قاصرًا.
لقد تخللت حياتهما المشتركةَ تحولاتٌ كثيرة، مما أَكسب الزوجةَ ثقةً زائدة عن الحد، وكانت تتعاملُ مع زوجها يوسف فخري بطريقة الإِملاءات، وفرضِ الأَمر الواقعِ عليه، لم تكن قمر الزمان كزوجتِه السابقة وابنة عمه عزيزَة التي طلقها، فقد كانت عزيزة هادئةً مطيعةً، تراعي القربى، بعكس قمر الزمان الطفلة، حيث كان يوسف فخري زوجها يكبرها بعشرين عامًا على الأَقل.
في كثيرٍ من الأَحيانِ؛ كان الجيرانُ يسمعون مشاجراتِهم، وصراخَهم على بعض، وباعتداءاتِهم المتبادلة والمتكررة بالضربِ والشتمِ، خاصةً بعد منتصف الليل، فعندما يعود زوجها مخمورًا، ويبدأ بالصراخِ عليها؛ كي تفتح له الباب؛ كانت ترفضُ أَن تفتحَ له، فيبقى يجأر كالثور:
- قممممممممممممر الزماااااااااان، ياااااااااااااا بنت الذين، ياااااااا بنت اللييييييييي، افتحي الباب.
والله إلا.. الليلة بدي أقتلك، يلعن.. ويلعن..
الليلة بدي أَذبحك.. ذبح مثل ما أَذبح الخروف
قمر الزمان، إذا ما فتحت الباب، هلكيت بأروح أطخ أبوك عشر رصاصات بين عنيه يا بنت اللي..
وهكذا كان دنجوان النساء، وصاحب زواجِ المسيار، والذي كان يتفاخرُ بأغلى ما يملك في كل المواقعِ التي يكونُ فيها، وحيثما وجد، وفي كل مناسبةٍ، فَشاعُ في المنطقةِ أَنه هو صاحبُ أَكبر.. وشكلَ تفاخره هذا مصدرَ اعتزازٍ له بنفسِه، ولم يكن يعترف أخونا هذا بأي رمزٍ من الرموز الدينية، أَو الرموزِ الوطنية، أَو العلميةِ، أَو الأَدبيةِ، أَو الاجتماعيةِ، فلا يقسمُ الأَيمانَ بها، كَأَن يقسمَ بربِّ العزةِ، أَو بالرسولِ الكريمِ، بل كانَ يقول:
- وحياة أعز ما أملك إني ما بأكذب، أو وحياة أَغلى شيء في حياتي، إلا أسوي وأعمل كذا وكذا..
إن ارتباطَ يوسُف فخري بموسى؛ شقيق مسعدة بلعبِ الورقِ، جعلهم كثيرًا ما يقضون الليالي معًا، وكذلك كانوا يتبادلون اللعبَ في منازلهم، وفي ليلةٍ من الليالي؛ شاهد يوسف فخري مسعدة في بيت شقيقها موسى، ومباشرة قدحت في رأسه فكرةُ الزواج منها، وفي ليلة ذات أنسٍ وسمر بينهم، عرض يوسف فخري على موسى أن يزوجه أُخته مسعدة؛ مقابل أن يملكه دونم أَرضٍ في موقع ممتازٍ وحيويٍّ في القرية، وبالفعل وافق موسى على ذلك دون تفكيرٍ، وخاصةً أَنه لا يملكُ أيّ أراضٍ في البلد، فقد قام هو وزوجتُه زريفة وأخته ربحية، بالضغطِ على والديها الحاج ياسين العراقي، الحاجة صفية، وأَرغموهما على الموافقة على خطبة مسعدة من يوسف فخري.
ومما يثيرُ الاستغرابَ؛ أن يوسفَ فخري استشار زوجتَه قمر الزمان في عزمِه على الزواج من مسعدة؛ فَلم ترفض مشروعهُ، بل وافقَت بسرعة، ورجته فقط بِألا يطلقها مثل ابنةِ عمه السابقة عزيزة، وكذلك طلبَت منه أَن يعدلَ بينها وبين عروسِه الجديدة مسعدة في كل شيءٍ حسب شرع الله.
تمت الخطوبةُ، وانهمَكَ الطرفان في التحضيرِ للزواج، واتفقوا على أَن تكونَ الدخلة بعد أُسبوعين فقط.
تفاجَأ السيد يوسف فخري من موقف زوجته قمر الزمان، وفرح كثيرًا، ولم يصدق ما سمعه من زوجته الأَصيلة بنت الأَصلِ والفصل؛ بالموافقة على زواجه من امرأة غيرها، وكذلك بتقبل سكن الزوجةِ الثانية عندها، فَقالَ يوسف لزوجته قمر الزمان:
- أشكرك يا حبيبتي على موافقتِك، وأَوعدك رايح أحافظ عليك وأَصونك، وعمري ما بأفرط فيك، ومثل ما وعدتك، رايح أعدل بينك وبينها، بس بحياة أعز إشي عندي لا تساوي مشاكل مع ضرتك مسعدة بنت الحسب والنسب، وخلينا إنعيش زينا زي الأوادم، إمليح يا روحي.
- وحياتي.. عندك يا حبيبي يوسف، إلا أَخلي مسعدة أَسعد إِنسانة في هالدنيا، وحياتك عندي إلا أَخليك إتشوف اللي ما واحد في هالدنيا عمره شافه يا روحي.
- ذهب من ذهب، هو اللي سماك قمر الزمان كذب! ولك شو هالأدب؟ إنت مش بس قمر الزمان، إِنت قمر الزمان وسلطانة المكان.
تعليقات
إرسال تعليق