التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بقلم الرائع/رعد الأمارة/////


(المرأة التي جعلتني اكتب، بلبل! )
كنا نلتقي مرتان في الأسبوع، لكن في أحيان كثيرة كنا نتحايل على نظامنا هذا، ضاربين به عرض الحائط، فتصبح مواعيدنا شبه يومية!كان يلذ لي طوال فترة تجوالنا الحميم، الإمساك بأصابع يدها البيضاء الرشيقة،كنت ابذل جهدا طيبا حتى لاتفلت اصابعها المنزلقة من يدي، قلت لها ونحن نجلس على العشب ذات مرة :
-هل لك أن تخبريني عن لون عينيك الحقيقي. أتذكر إنها قطبت حاجبيها وكفت عن جذب العشب بأصابعها الطرية، كادت أن تفلت من فمها الصغير ضحكة، ظنت الأمر مزحة، بيد أن ملامح وجهي الجادة جعلتها تحمر أولا ثم بعد برهة تنهدت، أدركت بلبل إن الأمر حقيقي، قالت :
-أمي أيضا لاحظت هذا، هي سألتني مرة عن سبب تزاحم الألوان في عيني، في ذاك اليوم ضحكت كثيرا، لكن أمي لم تضحك، كانت جادة مثلك. حدقت في اصابعها،كانت تجذب العشب بطريقة آلية رتيبة، أمسكت بكفها، كادت اصابعها أن تنزلق كما في كل مرة،فكرت مع نفسي، هل تستخدم مرهما معينا يجعلهما تنزلقان هكذا! كنت أود أن اسألها عن ذلك، لكني عوضا عن هذا قلت لها :
-قد يكون انعكاس أشعة الشمس في عينيك هو السبب في تزاحم الألوان،انظري، أخضر،أزرق،بني! اتعرفين بوسعي إحصاء المزيد منها، اشاحت بعينيها، تركت أصابعها تغرق في كفي الدافىء، قالت فجأة :
-هل أطلب منك شىء!؟ قد يكون طلبي غريبا لكنه لن يكون كذلك لو عرفت السبب. اومأت برأسي، قالت وقد التمع في عينيها مايشبه الأمل الكبير :
-أريدك، أريد منك أن تكتب وأن تطبع كتابا ، أمنيتي رؤية أسمك الحلو على غلاف كتاب. كانت تتكلم بلسانها وتومىء برأسها الفاتن،تبا لي، الهذه الدرجة كنت غبيا فلم أشعر بأمانيها، رفعت ذقنها بطرف اصبعي، ياللمخلوقة المسكينة، لقد عادت تجذب العشب بأصابعها مرة أخرى، قلت لها بصوت جاد :
-سأفعل. فجأة أشرقت ملامح وجهها، حدقت في عينيها واكملت هامسا :
-لكن لدي شرط، ولن أحيد عنه ولو قيد أنملة!. قطبت حاجبيها ولاح بعض الأسى في عينيها، أكملت ضاحكا :
-شرطي يابلبل أن تصبحي مديرة أعمالي. قلت العبارة بشكل استعراضي فخم، توردت وجنتيها واشتد جذب العشب، اومأت برأسها موافقة، قالت دون أن تنظر لي :
-سأرضى بالثلث من أرباحك، لامجال للمساومة. دنوت منها والتصقت بها، استنشقت عبيرها، ياربي، رائحتها العذبة التي أعرفها تجعلني أدوخ، همست لها بحنان وانا أكاد ابكي :
-ستكون الأرباح كلها لك، سأرضى بمصرف جيب صغير منك، بل من هذه الكف الحلوة. رفعت كفها عاليا، كادت أن تنزلق، لا،ليس هذه المرة! طبعت قبلة طويلة اودعتها كل امانينا. أتعرفون شىء! لقد مضت شهور طويلة على عهدي لها، لقد أكملت كتابة ثلاثة مجاميع قصصية خلالها، وقد سألني الناشر عن الإهداء،قلت له بالطبع سيكون لبلبل، مازلت أتذكر كيف حدق في بدهشة، سألني من بلبل!؟قلت له وأنا أشعل سيجارة، إنها العصفورة التي لولاها ماكنت أنا!! آه، نسيت شىء، هي مازالت تنتظر الأرباح، أما أنا فما زلت أجهل لون عينيها، وربما للأبد. (تمت)

بقلم /رعد الإمارة /العراق
26/1/2020

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الرائع أ/شوكت صفدي/////

"... نسيت وجعي، تعطر حزني بالحرية، نأيت عن أزمنة الشقاء، أزمنة الموت قهراً، وتوقفت معك لحظات الحلم، مبللين بأمطار تشرين ورعود تشرين ورياحه ووريقاته فوق قارعة الطريق القديمة، وعطره الخريفي.. وكانت جميعها تعزف موسيقا رقصتنا !.. جزء مني عاد إلى جسدي، وظل جزئي الآخر يرقص بين أطيافك.. سألتني أن نجعلها ألف عام قادمة.. وقلت، بل أريدها أن لا تنتهي خلود الزمن... لم تنقطع موسيقى الوجود لحظة، ولم ينقطع عزيف المطر والريح فوق النافذة، ونيران الموقد لم تخمد جواري... ومراهقتي التي هربت زمناً، ها هي تركض فوق الطرقات عائدة إلي، ترقص تحت المطر.. وشبابي المهاجر يستقبلني بشعر أشقر.. وطفلي الضائع في الغربة، يرجع من الفرار الى صدري، وإلى حضن وطن.. " يا عطر " . " عطر خريفي : من رواياتي "

بقلم الرائع أ/محمود عمر/////

«شرفة العمر الحزين» *********** عشت عمري كله شتاء وخريف وظللت أحلم كل يوم أن يأتي الربيع وطال بي الانتظار في شرفة العمر الحزين أتدثر بالأمل كلما اشتد بي الصقيع وكلما مر عام أنتظر البشارة تأتي في عام جديد يأتي فيه الربيع مرت الأعوام تباعاً عام خلف عام خلف عام والأيام تزداد قسوة والعمر شيء فظيع كم تمنيت أن يسرع الخطى ولكن الأمنيات عندي مستحيلة في زمن القساوة شنيع لم تشفع عنده طيبة القلب... ولا طيلة الصبر على الأحزان... ولا كثرة جروح الروح وآلام القلب وكأن الفرح علي منيع...!! حتى جاءني سهم الموت في وتين القلب من سند الحياة ممن ادخرته للأيام عوناً وليت الموت وقيع  لأذوق الموت مراراً  وطعم السكرات مرير...!!  أيا موتاً يأبى  يقربني  ألا لك من سبيل أسلكه...؟!  أو باباً أكون له قريع...؟!  لأترك دنيا نكرتني  فكرهت كل ما فيها  فكل ما فيها وضيع  فامدد يدك بكأس المنايا  فكم تجرعت أمر منه...!!  ولم أشتك يوماً  وكن معي خير صنيع...!!  محمود عمر

بقلم الرائع أ/عبد الرحمن القاضي/////

"غَزَليَّة" في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا نَدنوْ مِنْهُ ولا يأتيْنا نُهدِيْ عِطْرَ الحُبِّ إلَيْهِ ويُعَشِّمُنا ويُمَنّيْنا فَرْدٌ مِنْ عائِلَةِ الوَرْدِ يَنْضَحُ فُلّاً أو ياسَميْنا يَضْحَكُ إنْ قد كُنْتُ سَعيداً أو يَبْكِيَ إنْ صِرْتُ حَزيْنا ما في قَلبِيَ إلّا أنْتَ أمّا غَيْرُكَ لا يَعْنيْنا في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا... ! #عبدالرحمن_القاضي