/ مشـاعـرٌ مُغـلـقـة!! /قصة
*************
بقلم الأديب:أحمد عفيفي
دمياط - مصر -
************
*رغم احتقان وجهها وغزارة الدموع , بدَتْ ساكنة تنظر فى اللاشئ ممسكةً خصلةً من شعرها المجعّد..ثمّ اهتاجت فجأة وبكلتا يديها جذبت زوجها "البنهاوى"من ياقة جلبابه , فصرخ رافعاً ذراعيه بامتداد كتفيه قائلاً:(شاهدين؟ والله م حتشوف وشّى بعد كده ,ح امشى قبل مايسخن نافوخى اكتر حاهرب انشا لله ف اخر ارض ولاحيهمنى, مراتى البقرة دى, ولا اخوها مسعود البعرور, ولا ابوها المسطول على طول)
*فى الصباح التالى , كانت تمشى ككتلةٍ لحم متحركة , وبدت حركاتها أعنف وهى تتلفت بعينين يشعُّ منهما الخوف والرعب..تركل الهواء بقدميها الضخمتين وصراخها المدوّى..
*كان يرقبها بألم كاد يفطر قلبه ,حاول ترويضها -كالأمس القريب- ,لكنه تراجع حرصاً, أو خوفاً..حتى بلغ منها الإرهاق مبلغاً, فألقت بجسدها فوق رصيف الممشى الضيق لفناء المبنى, تزحزح ثوبها, فبدت عارية حتى أعلى فخذيها..أرسلتْ بضعة زفراتٍ مكتومةٍ, قبل أن تدخل فى النُعاس فاغرةً فاهاً يسمح بدخول الحشرات الطائرة..ولاح جلدُها محمراً من أثر الشمس اللافحة, فيما أظافرها الطويلة المتسخة تخدُش -لا ارادياً- فتحوِّل الندبات الغامقة إلى جروح!
*وفى المساء بدت عيناها:كمصباحين يلمعان فى باحةٍ معتمةِِ , باحةٌ بلا أُفقٍ, بلاسماءِِ..(آهٍ-ياجملات- كيف تتوهمين أن ترقق الدموع قلوباً من صلصالٍ, ودماءً من جليد؟..كما لو كانت الأفئدة بلون شعرك الترابى المجعّد ,تموجُ فى البلادة ,والصمت ,وانت ما زلت تلفظين زفرات جريحة دامية , ينشطرُ لها قلباً واهناً مُهلهلاً كقلبى, فيما القلوب الصارمة الباردة ,هادئةً ومسترخيةً خلفك!)
*وخزاتٌ من خيبة الامل تُدغدغُ رأسه:كيف تحولت -جملات- بين ليلةٍ وضُحاها ,هكذا؟, بعد ان كانت أليفةً طيّعةً باسمةً , لا تتبرم من كثرة العمل ولا تشكو , وما السّر الذى جعل علاقتها بالناس والمكان تبدو مخيفة ومفزعة هكذا؟..وكانت بالامس القريب ,تنفق الكثير من الوقت مُنصتة له وهو يشدُّ من أزرها , ويخفِّفُ عنها ما تكابده من سوء معاملة زوجها وعقوق ابنائها , كانت ترنو رافعةً -أرنبة- أنفها لأعلى,كأنها تستمع الى حدوتةٍ شائقة, وكأنّ صوته يُقرعُ سمعهـا برنينٍ يروقها!..كانت تأتى متشوًقة لحديثه ,وكان يسرُّ كثيراً عند انصرافها: هادئةً راضيةً
*تذكّر والده حين كان يوصيه دائماً- أن يكتم الملمات بالصبر , وأن يكبح غضبه على كُلِّ الأحوال(رُحماك أبى,كيف -وجملات- وحيدة تمشى وسط المُبحلقين من ذوى المشاعر المغلقة , تتأوّه بقلبٍ مفجوعٍ ,كأنهم يكنسون الرحمة ويطمسون الأعراف والنواميس , إنها تدقُّ الأبواب, وتدق, ولا من منصتٍ ولامن مجيب..حتى أصبحت الأبواب موشومةً ببصمة كفًيها!)
*بعد ليالٍ ثلاثِِ , شوهدت -جملات- وقد تخيّرت بحيرةً آسنةً من مخلفات البحر ,تنكشُ الرمال المبللة وقشور القواقع ,,تاركةً أدرانها بين جدائل الشمس الحارقة بعيداً عن زوجها -البنهاوى- الهارب , وعن أبنائها , أبناء العقوق,من سيعوًِضها عن الذين سدّوا الأبواب دونها!..هى الآن تتنفس فوق أرخبيلٍ امتشق فجأةً ليفصل بين الذهاب والإياب ,بين العتمة والنور , بين المقهورين , والاشرار!@
*********************************
من مجموعتى -طقوس صارمة-
تعليقات
إرسال تعليق