التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بقلم الرائع أ/فوزي نجاجرة/////


لمتابعي رواية أمضي أم أعود ؟؟؟
الحلقة رقم (١٦):

جاء في كتاب كليلة ودمنة، صفحة (٢١٦) في قصة السائح ( بتصرف ) : ( عمل سائحا غلاما عند رجل، عندما ترك العمل ، قبض أجرته دنارين، وبينما كان يمر في السوق، رأى هدهدين مع صياد للبيع، وكان في نيته التصدق بدينار. سأل عن سعر الهدهدين، قال الصياد بدينارين، حاول أن يشتريهما بدينار فرفض الصياد، اضطر لشرائهما بدينارين خوفا من أن يفرقهما عن بعض. ذهب ليطيرهما ويعتقهما في أرض عامرة، فخاف أن يتم اصطيادهما مرة أخرى، لذلك حملهما الى أرض بعيدة، لما طارا الى شجرة فواكه، أكلا وشبعا، وقالا سنكافئ هذا الرجل الطيب، عرفا بوجود جرة مملوءة بالذهب تحت الشجرة، أخبراه عنها، فقال لهما : اذا كنتما تريان ما تحت الأرض ، لماذا لم تستطيعا رؤية شبكة الصياد فوق الأرض؟ قالا : انه القضاء والقدر) .
بينما كانت ام الوفا جالسة على كرسيها ، تقدمت منها فتاة في العشرين من عمرها، تملئ وجهها ابتسامة جميلة، جلست أمامها على نفس طاولتها قالت تحدثها :
_ كيفك خالتي أم الوفا ؟ محلك روعة، كثير مريح، لا أعرف لماذا أحب واستمتع كثيرا في شرب فنجان قهوة من تحت يديك، أنا أحب شرب القهوة واستمتع بها، ففي السابق كنت أرتاد كافتيريا الجامعة، أطلب فنجان القهوة، عندما أتذوقه ، ارتشف منه رشفة او أثنتين ثم أتوقف، كثير ما كنت أشرب القهوة عند صديقاتي في سكن الطالبات، لكن لم أكن استطعم فيها، بينما منذ عرفت قهوتك لم أذهب الى أي مكان أخر في أوقات استراحتي ، هناك شيئ يميز القهوة التي تصنعيها، فقهوتك ترجعني الى القهوة التي نعدها ونشربها في بيتنا، سبحان الله، نفس النكهة، نفس الطعم والكثافة والحموضة، والقهوة التي يصنعها أبي أجود من التي تصنعها أمي ، لا أعرف ما السبب ! القهوة من يد أبي غير شكل، بالمصادفة فقهوتك تشبه قهوتنا بنسبة تسعين بالمية ، وهذا ما شدني لزيارتك باستمرار .
تستمر الفتاة في حديثها مع أم الوفا دون أي تعقيب من أم الوفا، تتوقف برهة ، ثم تعاود الفتاة حديثها ، خالتي أم الوفا، أنا أعتقد أن صنع القهوة يحتاج الى فنان حقيقي، فليس كل الناس لديهم الذائقة الفنية اللازمة لاعداد القهوة، فمن يتقن صنع القهوة بمثل مهارتك، لا بد وأن يكون داخله فنان بمعنى الكلمة، وربما أبالغ، ولكني أجزم أن هناك رابط مشترك بين صنع القهوة على طريقتك وطريقة أبي، وبين الرسام الذي يرسم ويشكل اللوحة الفنية الجميلة المعبرة ، التي تعبر عن ما يجول في النفس البشرية من حزن أو فرح ولكن بطريقة جميلة ، كذلك هناك أشياء مشتركة مع من يلحن الموسيقى ويبدعها ، وأيضا مع من يكتب الشعر أو الرواية، هناك قواسم مشتركة بين كل هؤلاء المبدعين، فهذه ميزة من رب العالمين ينفرد بها هؤلاء الفنانين .
كانت الفتاة تشرح تحلل وتسهب في الحديث، تنظر بعيونها العسلية الى وجه ام الوفا ، تتأملها وتستفيض في التعبير عن وجهة نظرها ، ثم سألت أم الوفا :
خالتي أم الوفا ، هل ممكن أن تشرحي لي كيف تعدين فنجان القهوة؟ هل تورثت طريقة اعدادك للقهوة من والدتك ؟
خالتي أم الوفا، كثيرا ما اراك تقرأين في الكتب، الى أي مرحلة دراسية وصلت؟
كانت الفتاة تتحدث وتسأل، لكن أم الوفا لم تتفاعل معها ولم تبادلها الحديث، فقط تنظر الى وجهها بارتياح وتتفرسها ، أحيانا تلتفت الى بعض الزبائن ، دون ان تجيب على اي تسائل من أسئلة الفتاة ، قالت لها أخيرا : ربما تأخرت يا بنتي على محاضرتك ؟
ذهلت الفتاة من تعابير وجه المرأة التي بلغت أواخر الخمسينيات من عمرها، في الوقت نفسه شعرت بألفة كبيرة اتجاهها ثم أخذت تتسائل ، من تكون هذه المرأة ؟ انها ليست أمرأة بسيطة ، بينما أنا أحدثها، شعرت أنها تحتويني بكاملي داخلها، لم أدري ماذا أقول لها ، ولكن ما تأكدت منه هو أنني أريد أن لا أتوقف عن الحديث معها، أية أنسانة هذه ؟ فعينيها تنضحان بعوالم كبيرة ومجهولة، عندها ثقة كبيرة تملئ روحها ؟ تدير هذا المقهى باقتدار ونجاح كبير، أهي فنانة ؟ أهي فيلسوفة ؟ أهي...... ؟.أهي ..............؟ من أنت يا أم الوفا .......
حملت الفتاة حقيبتها استأذنت من أم الوفا وغادرت، ولكن صورة ألمرأة انطبعت في رأسها بكل تعابيرها .
                              *******
      لم تتوقف يوما الدكتورة سمية عن زيارة مقهى ام الوفا، ففي أوقات فراغها وبين المحاضرات ، كثير ما تصطحب معها بعض زملائها من المدرسين الى المقهى، يأكلون  الساندوشات ، يشربون المشروبات الخفيفة والقهوة ، تتبادل الحديث مع ام الوفا ، تطمئن عليها، ثم تتفحص الكتاب الذي تقرأه ، تستفسر عن محتوياته ومضمونه، ثم تبحث عن مفكرتها لتطمئن على جديد ما كتبت خالتها أم الوفا . تعقب ببعض التعليقات على الخواطر . كثيرا ما تطري على ام الوفا أمام زملائها المعلمين ، وتتوسع في الحديث عنها ، عن مثابرتها ، رقيها وعن جمالية نفسها ، وعن موهبتها في كتابة الخواطر الوجدانية ، في اليوم التالي عادت ذات الفتاة عاشقة قهوة أم الوفا ومعها صديقتين ، قالت بعد أن مدت يدها تصافح أم الوفا، وهي في منتهى السعادة والفرح :
يتبع في الحلقة رقم (١٧) الخميس القادم ان شاء الله .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الرائع أ/شوكت صفدي/////

"... نسيت وجعي، تعطر حزني بالحرية، نأيت عن أزمنة الشقاء، أزمنة الموت قهراً، وتوقفت معك لحظات الحلم، مبللين بأمطار تشرين ورعود تشرين ورياحه ووريقاته فوق قارعة الطريق القديمة، وعطره الخريفي.. وكانت جميعها تعزف موسيقا رقصتنا !.. جزء مني عاد إلى جسدي، وظل جزئي الآخر يرقص بين أطيافك.. سألتني أن نجعلها ألف عام قادمة.. وقلت، بل أريدها أن لا تنتهي خلود الزمن... لم تنقطع موسيقى الوجود لحظة، ولم ينقطع عزيف المطر والريح فوق النافذة، ونيران الموقد لم تخمد جواري... ومراهقتي التي هربت زمناً، ها هي تركض فوق الطرقات عائدة إلي، ترقص تحت المطر.. وشبابي المهاجر يستقبلني بشعر أشقر.. وطفلي الضائع في الغربة، يرجع من الفرار الى صدري، وإلى حضن وطن.. " يا عطر " . " عطر خريفي : من رواياتي "

بقلم الرائع أ/محمود عمر/////

«شرفة العمر الحزين» *********** عشت عمري كله شتاء وخريف وظللت أحلم كل يوم أن يأتي الربيع وطال بي الانتظار في شرفة العمر الحزين أتدثر بالأمل كلما اشتد بي الصقيع وكلما مر عام أنتظر البشارة تأتي في عام جديد يأتي فيه الربيع مرت الأعوام تباعاً عام خلف عام خلف عام والأيام تزداد قسوة والعمر شيء فظيع كم تمنيت أن يسرع الخطى ولكن الأمنيات عندي مستحيلة في زمن القساوة شنيع لم تشفع عنده طيبة القلب... ولا طيلة الصبر على الأحزان... ولا كثرة جروح الروح وآلام القلب وكأن الفرح علي منيع...!! حتى جاءني سهم الموت في وتين القلب من سند الحياة ممن ادخرته للأيام عوناً وليت الموت وقيع  لأذوق الموت مراراً  وطعم السكرات مرير...!!  أيا موتاً يأبى  يقربني  ألا لك من سبيل أسلكه...؟!  أو باباً أكون له قريع...؟!  لأترك دنيا نكرتني  فكرهت كل ما فيها  فكل ما فيها وضيع  فامدد يدك بكأس المنايا  فكم تجرعت أمر منه...!!  ولم أشتك يوماً  وكن معي خير صنيع...!!  محمود عمر

بقلم الرائع أ/عبد الرحمن القاضي/////

"غَزَليَّة" في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا نَدنوْ مِنْهُ ولا يأتيْنا نُهدِيْ عِطْرَ الحُبِّ إلَيْهِ ويُعَشِّمُنا ويُمَنّيْنا فَرْدٌ مِنْ عائِلَةِ الوَرْدِ يَنْضَحُ فُلّاً أو ياسَميْنا يَضْحَكُ إنْ قد كُنْتُ سَعيداً أو يَبْكِيَ إنْ صِرْتُ حَزيْنا ما في قَلبِيَ إلّا أنْتَ أمّا غَيْرُكَ لا يَعْنيْنا في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا... ! #عبدالرحمن_القاضي