لمتابعي حلقات رواية أمضي أم أعود ؟؟؟
الحلقة رقم (١٥) :
أسمعينا فكرتك يا خالتي يا سمية ، ما هي فكرتك ؟ لعل وعسى يهدينا الرحمن وييسر امرنا.
_ خالة أم الوفا، أنت تجيدين صنع القهوة بشكل احترافي وممتاز، وأعتقد أنك تمليكين سر المهنة في صنع هذه القهوة، فكل من يتذوقها يصر على أن يثني ويثلث فنجانه من تحت يديك، ما رأيك أن تشتغلي في بيع القهوة؟ فكرتها بسيطة ، ولا تحتاج الى رأسمال ، كل ما هنالك، علينا تدبر أمر محل نستأجره وتعملين به ، ما رأيك بهذا الاقتراح يا خالة؟؟؟
_ والله يا بنتي، أنا أعمل القهوة بشكل شخصي لي وفي بيتي، ولم أفكر يوما ما بالعمل في بيعها ، من ناحية المبدأ ، أنا لا أرفض الفكرة، ولكن هناك أمور علينا التفكير بها .
_ مثل ماذا ؟
_ يعني لا أستطيع الوقوف في أي مكان وبيع القهوة ، فانا أرفض هذا ، ثانيا الموقع ، اذا كان هناك موقعا مناسبا، وهناك رواد يطلبون القهوة اللذيذة ، فهذا يشجع على تنفيذ الفكرة وانجاحها .
_ نعم صدقت يا خالة، من هذه الناحية، أقترح أن نستأجر محل صغير بالقرب من حرم الحامعة، ففئة الطلبة اكثر فئة يحتاجون شرب القهوة، وهناك أعداد كبيرة بالألاف يرتادون الجامعة ، أعتقد بداية سيكون الأمر صعبا نسبيا ، انما بعد فترة وجيزة ومع نكهة قهوتك المميزة ، ستسير الأمور جيدا.
_ والله فكرة مذهلة، ثم لماذا لا يكون المحل كبيرا، فانا علي دفع أجرة المحل، وانت عليك صنع القهوة يا أم الوفا ، قالت أم بشير
_ يا أمي ، تستطيعي أنت كذلك العمل مع أم الوفا في المحل، فبدل أن يقتصر المحل على بيع القهوة، نضيف اليه بيع البسكويت والمكسرات والشكولاطات، وربما بيع سندوشات خفيفة، والمشروبات عصائر والكولا والسجائر، وماكينة تصوير الورق وغيرها .
_ انا جاهزة يا خالتي سمية ، للتعاون بشكل مطلق مع أختي وحبيبتي أم بشير .
_ أذن على بركة الله، سأسعى من صباح غدا لاستئجار محل بالقرب من الجامعة ، فلي علاقات لا بأس بها هناك .
ساد جو من الفرحة في البيت ، هجم الضحك كهبة نسيم عليلة في أحدى ليالي الصيف الحارة ، هجم على كل الأسرة وخاصة أم بشير، تفائلت ام الوفا ، بدأ الامل يلمع في عينيها، كلا الامراتين أثنتا على سمية وعلى دماغها النظيف ، وتأملتا أن يكون هذا أية من أيات الرزق لكليهما ، على الفور أعدت ام الوفا الشوكالاطة وغلاية قهوة بمواصفات عالية ، تناسب ذوق الأستاذة سمية المرموقة ، والتي أصبحت قبل فترة وجيزة معلمة تدرس في الجامعة ، بمساعدة أم الوفا لها ، يوم تعثرها مع أحد المدرسين ، وحلت سعادة نسبية كل أفراد الأسرة.
*******
تدبرت سمية أمر المحل ، بعد ثلاثة أسابيع تم فتح المحل، مشاركة بالنصف لكل من أم الوفا وأم بشير، وكتب عليه مقهى أم الوفا الجامعي، كان المحل واسع، حيث استوعب عشرة طاولات مع أربعين كرسي ، ثلاجة حجم كبير ، عدة صنع القهوة ، ورفوف حديدية لوضع البضاعة عليها . بداية ساد التوتر نفسية كلا من الامرأتين في أول عشرة أيام ، لم يكن هناك زبائن ، تدريجيا بدأ الطلاب والموظفين بمعرفة باب المحل ، ساعدت سمية باستدراج الزبائن ، في الشهر الثاني تحسن الوضع، وبدأت رائحة قهوة أم الوفا بالانتشار في عموم شارع الجامعة، فرائحة تحميص البن في فخارة أم الوفا ، فقهوتها المصنعة بالبن والكرفة وحب الهال ، بدأت تأخذ موقعها في أذواق محبي القهوة وعشاقها ، كلها تصنع على يد أنسانة خلقت لتكون فنانة محترمة راقية ، تتمتع بلمسة فن وذوق على درجة عالية ، لكن الظروف خانت هذه الانسانة وعاقبتها بقسوة في حياتها السابقة . تتزاحم الأقدام على مقهى أم الوفا ، تشغل معها شاب يقوم على تقديم الخدمة لزبائن ، أيضا لم تبخل الأستاذة سمية ببعض وقتها في مساعدة والدتها وخالتها في المحل . يتحسن الدخل، وتسود الطمئنينة بيت أم بشير، يشاء القدر أن يكون هذا المحل أفضل بكثير من محل الخضار في السوق . يشتهر المحل بين طلاب الجامعة ، يصبح جزء من يوميات كثير من الطالبات والطلبة والموظفين ، حيث الجلسات الهادئة ، والنقاشات العلمية والثقافية ، البيع والشراء ، وعلى رأس كل هذا أم الوفا ، المرأة الهاربة من قساوة البشر والقدر ، خاصة ابنها المدلل وسيم ، فبدلا من أن تكون أما لوسيم وحده ، أصبحت أما للعديد من الشباب والفتيات، فالكثير ينادونها يا أمي. هنا وجدت أم الوفا (خديجة) نفسها، فمن يشرب فنجان قهوتها أو يتحدث معها، ينجذب اليها يحبها من روحه، وكأنها من بقية أهله ويعرفها منذ أمد بعيد . الكل يتحدث معها وكأنها أمه، والكثير يسألها عن صديقه أو زميله أو زميلته، والبعض يوصيها على طلبات معينة لتوفرها له بعد أيام ، والبعض يضع أماناته عندها ليستلمها أحد أصدقائه ، ومؤخرا تراجع التزام ام بشير في المحل لكثرة مشاغلها، تساعد فقط بقدر ما تسمح لها ظروفها الأسرية، وظروف زيارة زوجها في السجون، ومتابعة وضعه في الأسر، فتحضر يوم الى المحل وتغيب أيام. أصبح الاعتماد الأساسي على أم الوفا، وبرغم هذا الأمر، لم تقصر أم الوفا في اغداق المال على اسرة أم بشير من حسابها الخاص .
عملت أم الوفا بجد وتفاني، وقد أخذها عملها من نفسها، فأصبحت تتفاعل مع زبائنها ويعرفونها وتعرفهم، سارت الأحوال معها على أحسن حال ، تمضي السنين ، ويسير قطار عمرها شاقا رحلته ، يواجه قساوة الأجواء حرارتها وبرودتها ، يتحدى سهولة وصعوبة الدرب، تارة يسير، وأحيانا يتوقف قليلا عن المتابعة ، لكنه يمضي قدما الى المجهول . تكمل سمية دراستها الجامعية وتنال شهادة الدكتوراة في الأدب العربي ، تتزوج من دكتور يدرس في نفس جامعتها ، تتدرج في سلم الوظائف في غضون بضع سنين ، لتصبح رئيسة دائرة اللغة العربية في الجامعة ، تؤدي كل من أم بشير أم الوفا فريضة الحج ، الصغار كبروا ، بشير أصبح مهندسا يعمل في مصنع لتصنيع المواد الغذائية ، ميسون في عامها الاخير من دراستها للطب البشري في احدى جامعات البلاد ، والوحيد الذي لم يتغير حاله هو والدهم أبو بشير، المحكوم عليه بأكثر من مؤبد ، والذي يأبى الزمن أن يفرج عليه ، تمضي السنين ، يمضي الزمن وهو في الأسر دون بارقة أمل بانتهاء محنته ، طبعا وكل هذا على حساب عمره وعمر زوجته ، وفقدان أبنائه رعايته لهم ، ذلك كله من أجل تحرير الوطن والشعب.
جاء في كتاب كليلة ودمنة،
يتبع في الحلقة القادمة غدا ان شاء الله .
تعليقات
إرسال تعليق