لقاء عقيم...
الجو بارد والسماء داكنة جعلت اليوم يبدو كئيبا في انتظار أمطار غزيرة قد تذهب بالأخضر واليابس بعد جفاف تشققت منه الأرض.
جذبت الكرسي لتجلس وقد ارتعدت فرائصها من شدة البرد رغم ثيابها الثقيلة ومعطفها الكاشمير الطويل، جالت بعينيها باحثة عن النادل حتى ينقذها بقهوة ساخنة تشعرها بالدفء، لم يتأخر وكأنه شعر بارتجافها أو بالأحرى لاحظ لون الشفاه المائل الى الأزرق رغم أنها حاولت إخفاء تجمد الدم فيهما بلون أحمر قاتم، أتاها مسرعا بطلبها فاحتضنت فنجانها بيديها الجميلتين لتبعث الدفء فيهما وكانت بين الحين والآخر ترتشف القليل منها متلذذة بحرارتها، وأخيرا شعرت بالدفء ففكت القليل من أزرار معطفها ثم نظرت إلى الساعة التي بيدها وهي تقول في نفسها كم هي قاسية تلك الوحدة التي تجعل الوقت يمر ثقيلا،إنها تهرب كل مساء إلى هذا المقهى حتى تنسى وحدتها قليلا وتختلط بأُناس لا تعرفهم وليس لهم بها صلة لكنها تستأنس بوجودهم حولها وهي تراقب كل طاولة وكل ثنائي ولكل مجلس حكاية مختلفة.
مدت يدها لمحفظتها وأخرجت رواية لتواصل قراءتها، حبها للقراءة يجعلها تنسى وحدتها وتغذي فكرها والأكثر أنها تتعب عينيها حتى إذا ماعادت لعالمها الصغير تنام بسرعة،فجأة تسلل إلى سمعها صوتا من ورائها بنبرة تدل على ثقة صاحبه بنفسه وقال: كما أنت لم تتغيري وكأن كل هذه السنوات توقفت خشية أن تترك أثرا عليك فيذبل جمالك بل وكأنها بذلت ما بوسعها لتجعلك أجمل وتزيد من نقاء بشرتك، شعرت للحظة بدوران الأرض تحت قدميها وارتجف قلبها هذه المرة ليس من البرد بل من هول الصدمة، إنه صوته بعد فراق ربع قرن، نعم هو نفس الصوت ونفس النبرة ونفس الكلام الجميل التفتت بسرعة لتتأكد بأنها ليست واهمة ،يا الله إنه هو بقامته الطويلة ومنكبيه العريضين وعينيه الخضراء بنفس اللمعان ونفس البريق بل نفس النظرات وكأنه لم يغب لحظة واحدة، لم تتمالك نفسها انتفضت واقفة أمامه مباشرة أغمضت عينيها ومدت يديها تلامس خده، يا إلهي إنه هو، فجأة رن الهاتف فتحت عينيها لتجد نفسها ممددة بفراشها وهاتفها يعلن ساعة استيقاظها، ارتعبت وجالت ببصرها في أنحاء الغرفة غير مصدقة بأن ما عاشته كان حلما واستفاقت منه عائدة لوحدتها والوسادة الخالية التي ترافق لياليها.
انتهى...
بقلمي نجوى خميس
تعليقات
إرسال تعليق