التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بقلم الأديب أ/رعد الإمارة/////


رواية (الفرن ) مقتطفات

جرت أحداث هذه القصة في التسعينات، آه، ثمة صداع لعين يضرب كالمطارق في رأسي، ماعادت ذاكرتي تسعفني! هل جرت الأحداث في بداية التسعينات أم نهايتها، أو ربما في منتصفها! بصدق انا لا أتذكر إلا ماظل مطبوعا في ذاكرتي. من أين أبدأ! إن ناشر قصصي يريد مني كتابة أحداث هذه القصة بدقة وسرعة، لقد راقته كثيرا حتى إني عندما سردت أحداثها أمامه ،راح يصفق بيديه مثل الأطفال!. في مطلع شبابي وعندما كان جسدي يضج بالصحة والوسامة، تلك الوسامة التي تركت آثارها على ملامح وجهي،غادرت قريتي الريفية وقصدت بغداد العاصمة، كان سبب سفري أو بالأحرى هروبي من الدار هو تلك الصفعات التي دوت على خدي! لقد فعلها أبي أخيرا، ضربني أمام شقيقاتي الثلاث ،وابنة خالي المراهقة التي احمرت حتى أصبح لونها قرمزيا، أتذكر انها قبل أن تخرج هاربة من الغرفة التفتت وبكت! في تلك الليلة فقط أدركت إنها كانت مغرمة بي! عندما عادت أمي مسرعة من بيت خالي الملاصق لبيتنا، وقفت ترتجف من رأسها حتى اخمص قدميها قبل أن تواجه أبي، لم يكن خالي بصحبتها ولا ابنته التي سردت لأمي كل الحكاية، كنت ما أزال متسمرا في زاوية الغرفة، أما أمي فقد توجهت نحو أبي ورفعت يده وأخذت تضرب بها رأسها بقوة! كان أبي مذهولا من فعلتها الخرقاء العجيبة هذه، فرت شقيقاتي الثلاث خارجا وهن يتعثرن بخطواتهن فيما علا صوت نحيبهن حتى غطى على صوت عويل أمي. كنت نائما حينما تسللت الأصابع التي أعرفها وراحت تعبث بشعري، ايقظتني بهمساتها الحنونة، راحت تناغيني مثل طفل،سمعتها توقظ اختي الكبرى لتطلب منها تسخين العشاء فهي ستأكل مع أبنها البكر، تململت في فراشي حين سطع النور، رحت اتقلب يمنة ويسرى لكن يدها كانت قد جذبت الغطاء عني، وشاركتها شقيقاتي ضحكاتها التي طغت على سكون الفجر! كنت قد نسيت موضوع الصفعة وآثارها ورحت أتناول الطعام مع أمي وشقيقاتي الثلاث حين قطع خلوتنا صوت الخطوات التي أعرفها، وقف أبي بطوله الفارع في فراغ الباب ،رمقني بنظراته ،ثم تقدم بسرعة وازاح إحدى شقيقاتي وأخذ يأكل معنا، قال وهو يحدق في وجه أمي المبتسم :
-تركتيني انت وبناتك بدون عشاء، لم أستطع النوم. كان جسده ملتصقا بجسدي، شعرت بأني على وشك البكاء، ليس صحيحا أن تعاقب النساء أبي بهذه الطريقة المذلة، وضعت يدي على ظاهر يده المعروقة، خيل لي بأنه احمر قليلا! طلبت من اختي الصغرى أن تصب شايا بالقدح الكبير، وضعته بين يديه، راح يطلق النكات فجأة، مازلت أتذكر كيف إن أمي كادت أن تشرق بلقمتها مما دعاه للنهوض بسرعة، راح يضربها على ظهرها وهو يهمس :
-راح الشر، راح الشر. لقد ضحكنا كثيرا قبيل الفجر هذا، حتى إن الدموع طفرت من عيوني بالنهاية، لكن عندما ارتفع صوت الآذان صمت الجميع، أما أنا فقد اندسست في فراشي ولم استيقظ إلا عند الظهر!. بعد أيام قلائل أعاد أبي الصفعة مع فارق بسيط ،إنها كانت على الخد الثاني فحسب! كنت احتضن إبنة خالي وكان فمي منطبقا بشدة على فمها حين لاح خياله، شهقت إبنة خالي حين رأته وارتدت مفزوعة للخلف، أما أنا فطأطأت رأسي خجلا حتى كاد أن يلامس الأرض! تقدم مني وهو يهمهم بلهجة غريبة، رفع ذقني بأصابعه وعندما حدقت فيه رنت الصفعة، لكني بقيت ثابتا! راحت إبنة خالي تبكي في زاوية الغرفة!
ثم رأيت أبي كيف وضع سبابته على فمه محذرا قائلا :
-كفي عن البكاء ياغبية، ستفضحين نفسك وتفضحيننا معك، لاتجعلي أحدا يلاحظ ماجرى، هذا سرنا نحن الثلاثة. لم تنتبه أمي ولاشقيقاتي لما جرى، غادرت إبنة خالي الغرفة بعد أن مسحت عينيها بطرف ردائها الطويل، أما أنا فمكثت في مكاني وعيناي تدوران في محجريهما دون هدف، ابتلعت ريقي حين غادر أبي الغرفة، لكنه التفت قبل ذلك ،راح يهز يده يمنة ويسرة وكأنه يقول، لا فائدة ترجى منك. قضيت أغلب ساعات هذا اليوم راقدا في فراشي، حاولت أمي معرفة ماالذي أصابني، لكني تصنعت النوم! كنت شاردا مع أفكاري، صفعتان خلال أيام قليلة، الصفعة الأولى لأني شتمت اختي الصغرى، أما الثانية فلأني قبلت إبنة خالي! لم يعد في الأمر اية تسلية، لقد تعودت كف أبي على صفعي! ولأن اخطائي كمراهق كثيرة!وستزداد حتما في قادم الأيام،لذا فإن القرار الذي أحتل كل تفكيري راح يطفو للسطح شيئا فشيئا، وقراري هذا كان السفر إلى بغداد!. كان خالي قد حدثني كثيرا عن العاصمة، أو المدينة ذات الأنوار كما كان يسميها، شوارعها المعبدة وبناياتها الشاهقة، وعندما تحدث بصورة غامضة عن دور الملاهي، تضرج وجهه بحمرة خفيفة وأخذ يتحسر، ما زلت أتذكر كلماته التي ظلت تدوي في رأسي، حتى بعد سنوات طويلة على رحيلي!. كانت شقيقتي الكبرى أقرب الناس إلي، تفهمني بالإشارة، وتعدني صديقها المفضل،مازلت أتذكر كيف راحت تنشج بصوت عال حين اخبرتها بقراري، قالت :
-إن كان سبب سفرك هو معاملة أبي لك بصورة تجدها مجحفة، فأعدك سيتغير كل هذا، فقط عدني بأن تلغي فكرة رحيلك وانا اتكفل بالباقي!.(مقتطف من روايتي القصيرة القادمة 😊)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الرائع أ/شوكت صفدي/////

"... نسيت وجعي، تعطر حزني بالحرية، نأيت عن أزمنة الشقاء، أزمنة الموت قهراً، وتوقفت معك لحظات الحلم، مبللين بأمطار تشرين ورعود تشرين ورياحه ووريقاته فوق قارعة الطريق القديمة، وعطره الخريفي.. وكانت جميعها تعزف موسيقا رقصتنا !.. جزء مني عاد إلى جسدي، وظل جزئي الآخر يرقص بين أطيافك.. سألتني أن نجعلها ألف عام قادمة.. وقلت، بل أريدها أن لا تنتهي خلود الزمن... لم تنقطع موسيقى الوجود لحظة، ولم ينقطع عزيف المطر والريح فوق النافذة، ونيران الموقد لم تخمد جواري... ومراهقتي التي هربت زمناً، ها هي تركض فوق الطرقات عائدة إلي، ترقص تحت المطر.. وشبابي المهاجر يستقبلني بشعر أشقر.. وطفلي الضائع في الغربة، يرجع من الفرار الى صدري، وإلى حضن وطن.. " يا عطر " . " عطر خريفي : من رواياتي "

بقلم الرائع أ/محمود عمر/////

«شرفة العمر الحزين» *********** عشت عمري كله شتاء وخريف وظللت أحلم كل يوم أن يأتي الربيع وطال بي الانتظار في شرفة العمر الحزين أتدثر بالأمل كلما اشتد بي الصقيع وكلما مر عام أنتظر البشارة تأتي في عام جديد يأتي فيه الربيع مرت الأعوام تباعاً عام خلف عام خلف عام والأيام تزداد قسوة والعمر شيء فظيع كم تمنيت أن يسرع الخطى ولكن الأمنيات عندي مستحيلة في زمن القساوة شنيع لم تشفع عنده طيبة القلب... ولا طيلة الصبر على الأحزان... ولا كثرة جروح الروح وآلام القلب وكأن الفرح علي منيع...!! حتى جاءني سهم الموت في وتين القلب من سند الحياة ممن ادخرته للأيام عوناً وليت الموت وقيع  لأذوق الموت مراراً  وطعم السكرات مرير...!!  أيا موتاً يأبى  يقربني  ألا لك من سبيل أسلكه...؟!  أو باباً أكون له قريع...؟!  لأترك دنيا نكرتني  فكرهت كل ما فيها  فكل ما فيها وضيع  فامدد يدك بكأس المنايا  فكم تجرعت أمر منه...!!  ولم أشتك يوماً  وكن معي خير صنيع...!!  محمود عمر

بقلم الرائع أ/عبد الرحمن القاضي/////

"غَزَليَّة" في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا نَدنوْ مِنْهُ ولا يأتيْنا نُهدِيْ عِطْرَ الحُبِّ إلَيْهِ ويُعَشِّمُنا ويُمَنّيْنا فَرْدٌ مِنْ عائِلَةِ الوَرْدِ يَنْضَحُ فُلّاً أو ياسَميْنا يَضْحَكُ إنْ قد كُنْتُ سَعيداً أو يَبْكِيَ إنْ صِرْتُ حَزيْنا ما في قَلبِيَ إلّا أنْتَ أمّا غَيْرُكَ لا يَعْنيْنا في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا... ! #عبدالرحمن_القاضي