التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بقلم الرائع أ/رعد الإمارة////


(القاتل)

لم أكن قد تجاوزت الحادية عشرة من عمري، عندما قتلت عصفور امي، الكناري المدلل! لا أعرف كيف حدث ذلك، حتى إنني لم أخطط للأمر كما يفعل أغلب المجرمين! كانت مشغولة مع أحدهم في غرفة نومها، كنت نائما عندما صحوت على ضحكات داعرة وصرخات متقطعة ،مصدرها تلك الغرفة التي ادعوها غرفة أمي! كتمت غضبي في داخلي، ورغم أنها لم تكن المرة الأولى التي كانت تنام فيها مع الآخرين! إلا إن شعورا جديدا أخذ يطرأ على تصرفاتي،وباتت مشاعري الحقيقية كرجل صغير تطفو على السطح! ببساطة،وجدت نفسي أغار على أمي. رحت امشي على أطراف اصابعي، الصقت أذني بالباب ورحت أصيخ السمع وقلبي يخفق! كان صوتها يصل خافتا مبتهلا ومتوسلا، تبا لك أمي! لطالما توسلت بك من أجل أشياء تافهة طلبتها، لكن دون جدوى ،وها أنت تتوسلين كطفلة خرقاء. وضعت عيني اليمنى في ثقب الباب، سحقا، اصطدم بصري بظلام الغرفة ،كان ثمة نور أحمر باهت، لكنه لا يظهر كل التفاصيل التي أريدها ! راح صدري يعلو ويهبط وتجمعت الدموع في عيني، إنها تضحك الآن! سأريك ماما، سنعرف من هو رجل البيت!. كنت أعرف مدى تعلقها بصغيرها الكناري، حتى إنها كانت تطعمه من فمها في أحيان كثيرة، رحت أدور حول القفص ذي الأسلاك الفضية، الملعون كان مستغرقا في النوم وقد أسند رأسه الفاتن على صدره، نقرت بطرف سبابتي على باب القفص، ارتبك الطائر وزعق بصوت خافت ثم تعلق بالزاوية وأخذ يحدق في عيني!. لم يكن لدي وقت طويل للهو معه، ومادامت رغبة الإنتقام تغلي في صدري فعلي بالإسراع إذن! هكذا فكرت قبل أن افتح باب القفص، وامسك بالطائر الرشيق، لكن بيد من حديد. اخفيت الكناري اللعين خلف ظهري ولم اترك له مجالا للتنفس حتى!، رحت أمشي على أطراف اصابعي، الصقت أذني وارهفت سمعي جيدا، سكون مابعد العاصفة، حتما الإثنان غافيان الآن. كان قلب الطائر ينبض في يدي ، كنت أستطيع الشعور بذلك ،آه، مازال حيا إذن! فتحت كفي ببطء، حرك رأسه وحاول الأنتفاض لكني كنت أسرع منه، أمسكت بعنقه الهش بين الإبهام والسبابة ورحت اضغط بقوة، شيئا فشيئا همدت حركته ثم أخذ يتأرجح مثل بندول الساعة. كان قلبي يخفق بسرعة،شعرت ببعض الخوف قليلا فألتفت بسرعة للخلف، لاشيء، هدوء تام، انقلبت عائدا لسريري بعد أن مددت جثة الطائر في القفص، سحبت الغطاء حتى رأسي، ثمة قشعريرة أخذت تعتري بدني، أسناني تصطك، مع ذلك فأنا أشعر براحة غريبة! لقد تخلصت من أحد غرمائي أخيرا ، وإن كان غريما ضئيلا وتافها! أخذت اهذي، كنت أعلم إني صرخت مرات عدة في أثناء نومي المتقطع، لكن في النهاية غفوت، لم استيقظ إلا على صرخات أمي!. وجدتها وقد التفت بثوب نومها الأسود شبه العاري قرب القفص، كانت تضع الطائر بين كفيها ،وهي تحدق في جسده الصغير بشرود، قلت وكأن لا شأن لي بما حدث، حتى إن صوتي بدا صادقا ومتعاطفا :
-ماما، سلامتك ألف سلامة، سمعتك تصرخين، أوه، ماهذا! مابه طائر الكناري الجميل!؟. لويت عنقي صوب كفيها، ارتني العصفور الذي بات ضئيل الحجم، قالت وقد تجمعت دموع كبيرة في عينيها :
-العزيز، وجدته هكذا في القفص، لم تسنح لي الفرصة لتقديم الفطور له! ظننته راقدا، لكن آه، إنظر صغيري ميت الآن. كدت أن أضحك، يالي من مغفل، كيف لم أنتبه لمشاعر هذه المرأة من قبل، وكأني لست طفلها أو حتى عصفورها مثلا! تقدمت صوبها ورحنا نداعب معا بلطف ريش الطائر الهامد، قالت وهي تتنهد :
-خذه حبيبي، احفر له وكن رقيقا عندما تدفنه، هل سمعتني جيدا. اومأت برأسي وأنا أمد اصابعي بحذر صوب جسد الطائر الهش، تقدمت صوب الحديقة وقد قررت دفنه هناك، سمعتها تتحدث إلى نفسها :
-سأجلب واحدا غيره، نعم لابد أن أفعل وسيكون الأجمل هذه المرة. تجمدت قدمي للحظة، شعرت بأني سأبكي لامحالة، لكني تحاملت على نفسي وتقدمت للامام وانا اهمس لنفسي :
-سأقتله يا أمي، اعدك بأني سأفعل هذا في كل مرة!. (تمت)

بقلم /رعد الإمارة /العراق
26/2/2020

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الرائع أ/شوكت صفدي/////

"... نسيت وجعي، تعطر حزني بالحرية، نأيت عن أزمنة الشقاء، أزمنة الموت قهراً، وتوقفت معك لحظات الحلم، مبللين بأمطار تشرين ورعود تشرين ورياحه ووريقاته فوق قارعة الطريق القديمة، وعطره الخريفي.. وكانت جميعها تعزف موسيقا رقصتنا !.. جزء مني عاد إلى جسدي، وظل جزئي الآخر يرقص بين أطيافك.. سألتني أن نجعلها ألف عام قادمة.. وقلت، بل أريدها أن لا تنتهي خلود الزمن... لم تنقطع موسيقى الوجود لحظة، ولم ينقطع عزيف المطر والريح فوق النافذة، ونيران الموقد لم تخمد جواري... ومراهقتي التي هربت زمناً، ها هي تركض فوق الطرقات عائدة إلي، ترقص تحت المطر.. وشبابي المهاجر يستقبلني بشعر أشقر.. وطفلي الضائع في الغربة، يرجع من الفرار الى صدري، وإلى حضن وطن.. " يا عطر " . " عطر خريفي : من رواياتي "

بقلم الرائع أ/محمود عمر/////

«شرفة العمر الحزين» *********** عشت عمري كله شتاء وخريف وظللت أحلم كل يوم أن يأتي الربيع وطال بي الانتظار في شرفة العمر الحزين أتدثر بالأمل كلما اشتد بي الصقيع وكلما مر عام أنتظر البشارة تأتي في عام جديد يأتي فيه الربيع مرت الأعوام تباعاً عام خلف عام خلف عام والأيام تزداد قسوة والعمر شيء فظيع كم تمنيت أن يسرع الخطى ولكن الأمنيات عندي مستحيلة في زمن القساوة شنيع لم تشفع عنده طيبة القلب... ولا طيلة الصبر على الأحزان... ولا كثرة جروح الروح وآلام القلب وكأن الفرح علي منيع...!! حتى جاءني سهم الموت في وتين القلب من سند الحياة ممن ادخرته للأيام عوناً وليت الموت وقيع  لأذوق الموت مراراً  وطعم السكرات مرير...!!  أيا موتاً يأبى  يقربني  ألا لك من سبيل أسلكه...؟!  أو باباً أكون له قريع...؟!  لأترك دنيا نكرتني  فكرهت كل ما فيها  فكل ما فيها وضيع  فامدد يدك بكأس المنايا  فكم تجرعت أمر منه...!!  ولم أشتك يوماً  وكن معي خير صنيع...!!  محمود عمر

بقلم الرائع أ/عبد الرحمن القاضي/////

"غَزَليَّة" في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا نَدنوْ مِنْهُ ولا يأتيْنا نُهدِيْ عِطْرَ الحُبِّ إلَيْهِ ويُعَشِّمُنا ويُمَنّيْنا فَرْدٌ مِنْ عائِلَةِ الوَرْدِ يَنْضَحُ فُلّاً أو ياسَميْنا يَضْحَكُ إنْ قد كُنْتُ سَعيداً أو يَبْكِيَ إنْ صِرْتُ حَزيْنا ما في قَلبِيَ إلّا أنْتَ أمّا غَيْرُكَ لا يَعْنيْنا في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا... ! #عبدالرحمن_القاضي