أيام الغاردينيا...
يحدِّقُ قلبه . في وقت الثلج و الذكريات, عبر زجاج الأيام الحزينة ,و ينتظر دفئاً لا يشبه سوى حبه الأول حين يراه ذاهباً إلى أضلاعه بكامل أشواقه المضمخة بحضور "الكاردينيا"
كانت أجنحة القطن قد أخذت تغطي أجنحة العبارات الأخيرة في رسائل الحرقة و الوداع, عندما قرَّرَ النزول إلى الحديقة العامة و الجلوس على المقعد الأخضر الذي شهد لقاءه بمهجته المسافرة.
ارتدى معطف الشتات الرمادي و غطّى رأسه بكوفية انتسابه, و مضى صوب الأشجار و الورود..بخطى تائهة..كان يمشي..يستعيد إيقاع التواصل مع زهرته المرتحلة..يدندن بلحن كان قد كتبَ كلماته أيام المخيم.
شعرَ و هو يجلس على مقعد الحب المهاجر, أنه لا يقول نفس اللحن..جراح في الدندنة و كسورات..أحسَّ أنه يخون أغنية كتبها بدمه, لصديقه الشهيد الفنان المرحوم "محمد سعود" و يتآمر على التلقائية و الطيبة.. و أناشيد المكان الصابر..
قال في نفسه: أخطاء تقفز مثل السباع, , فتعترف و تتواضع.. و أخطاء تنقنق مثل الضفادع , فتصير عاصمة للنرجس و الفصائل.... و أضاف جرحه في تساؤله: من يقع عليه اللوم؟
كان صديقاً لأبيها..و طالما لعبا الورق معا.. و كان ينغلب له و يتظاهر بالشرود..و كان والدها معجباً برسومات جرحه و جبينه عن الوطن و القدس و خيول العائدين.. و حين بدأت القصة مع روحها و روحه..أصدرَ أبوها ألف إشارة و نظرة و علامة تبارك قرنفل هذا اللقاء...
عندما أهداها زهرة "الغاردينيا" في المرة الأولى..كان أول من امتدت يده إليها بالحنو و المياه.. و كانت أمها متفهمة لمشاعره..كانت ترعى العلاقة بينهما و تستعجل خطبتهما,و تتفاخر بلوحته أمام الجيران و المعارف, خصوصاً تلك اللوحة التي رسمها بألوانه و دمه و غضبه عن مجازر غزة و جنين و قانا و كفر قاسم و دير ياسين و صبرا و شاتيلا...
شريط الصدمة ملفوف, بقسوة, بخيوط و أشواك حول معصمه..كان مقتنعاً كل الإقتناع بموافقة أبيها..كانت الآمال تكبر و تصعد سلالم دمه, بهجة...وأيائل..
و كان ينتظر الرد في صومعة من لوز و رؤى خضراء..
حين عاد..وجدوه غارقاً بفرح الألوان..ثم انسكبت جمرات الحقيقة كي تلسعَ ذاك الصهيل المتغلغل في نغمات التشكيل..
- :أبوها لم يوافق.. قال أنك سياسي و قائد ميداني مطلوب!..و تحمل أكثر من عشر بطيخات في يد المشاغبات..
لم يقل شيئاً..حملَ ذكرياته و أوراقه و رسومه و انكساراته.. و مضى يبحث عنها في زمن آخر.
كان يراه في أجنحة الصقور و النسور...و ابتسم القرنفل معاتبا ً زهرة الغيابْ
سليمان نزال
تعليقات
إرسال تعليق