التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بقلم الشاعر/فؤاد زاديكي////\


واقع الأحلام

بقلم/ فؤاد زاديكى

أنْ يحلم المرءُ أمرٌ  طبيعيّ وضروريّ أيضًا، بل أنّه ليس من الطبيعيّ ألّا تكون للشخص أحلامٌ  يسعى إلى تحقيقها والوصول إليها، فالنّاس الذين لا أحلام لهم ولا آمال هم  بِحُكْمِ الموتى وليس لهم مستقبل! لكنّ الذي ليس طبيعيًّا في هذا، هو أنْ  يتجاوز الإنسان في محيط أحلامه الكبير حدود هذا الكون، فيحلّق بعيداً في  متاهات اللانهاية من الركض خلف أحلام تصير وهماً وترّهات خيال ليس بالمقدور  تحقيقها والحصول عليها وهو ما يفوقُ طاقة هذا الشخص أو الأشخاص مما يجعلهم  يفقدون الأرضية الواقعية والإحساس المفرط بهذا الواقع، فهذا ما يخشى منه  وما يمكنُ أنْ تكون له نتائجُ غير مقبولة ولا معقولة لدى هؤلاء الأشخاص ليس  إلّا.

فالأحلامُ يلزمُ أنْ تكونَ قابلةً للتحقيق ومتى كانتْ  الأحلامُ التي نسعى إليها خياليّةً وغيرَ ممكنة الحصول، كلّما كانت  إمكانيةُ الهبوط منْ عَلٍ والسقوط في هوّة الإحباط السحيقة أمرٌ شبه مؤكّد  ومُحَتّم.

نَعَمْ أحلمُ في أنْ يصير هذا المجتمعُ نحو الأفضل...

أحلمُ ألّا تزيد الأسعار أكثر ممّا هي عليه الآن، بلْ آمل أنْ تنخفضَ إلى ما هو دون ذلك...

أحلمُ بأنْ يعيشَ كلُّ النّاس بأمانٍ وسلامٍ وحرّيّة...

وأحلمُ في أنْ نتمكّنَ من التعامُل مع بعضنا البعض، وعلى اختلاف توجّهاتنا  ورؤانا ومعتقداتنا وميولنا بشكل سليم بعيدًا عن التعصّب والهمجية والتّشنج  ورفض الآخر...

كما أحلمُ في المحافظة على عملي وفي صحة أسرتي وفي  العيش بإمكانية أفضل وألّا يُؤذي الإنسانُ أخاه الإنسان و و والخ. هذه  الأحلامُ ممكنة التحقيق متى كانت المساعي حثيثة وجادة وكانت الظروف  الموضوعية والخارجية عن ذاتي مواتية وتسمح بذلك، لكنْ أنْ أحلمَ بامتلاك  العالم... أحلم بأنْ أغدو مليونيراً... أحلمُ ألّا تنالني يدُ الموت  الرهيبة فتُغَيِّب نفسي وجسدي... أنْ يكون لدي كلّ ما أشتهيه من متاع  وملذّات هذا العالم، فإنّ جميع هذه ليستْ أحلاماً بلْ هي أوهامٌ تمخرُ  سفنُها عبابَ ضعفنا البشريّ وحبنا للتملّك والحصول على الأشياء وهي لن تجدَ  مرفأً تلجأُ إليه أو موضعًا تستقرّ فيه.
 مثلُ هذه ليستْ أحلاماً بلْ  هي - كما قلتُ سابقاً - توهّجات أوهامٍ وآلام موجعة تزيدُ مِنْ طَعْنِ  سكاكينِها في كبد بؤسنا ويصير معنا كالذي صار مع الفأرة عندما أرادتْ أنْ  تقلّد الهرّة خصمها الأبدي في ابتلاع ما تبتلعه فشُقَّتْ مؤخرتُها وقُضِيَ  أمرُها! مثلُ هذا يقضّ مضجع المرء في حالة نومه فكيف به وهو في حالة يقظته!

الإنسانُ في يقظته يملكُ ملكة الإحساس بالأشياء والمعاني والجماليات وبعض  الأحلام تُغني الروح وتملأ النفسَ بأمنيات جميلة وباستمتاعٍ مُغْرٍ في أنْ  يتمّ تغييرُ الحال وتتحقّق هذه الأمنيات والأماني، ولكي نكونَ واقعييّن  وغيرَ مُضربين في بطاح الخيال والتحليق في سماوات لا حدودَ لمدّها منْ  الأوهام والأحلام التي تظلّ بعيدة المنال، علينا أنْ نعي حجم طاقتنا وحدودَ  أحلامنا وأمانينا ويجبُ ألّا يكونَ عدمُ انسجامٍ في هذين الجانبين بل  توافُقٌ وتعاطٍ سليم، علينا أنْ نُدرك مقدرتنا العقلية والنفسية والجسدية  والمادية ومنْ ثمّ نبدأ بالتخطيط والعمل المدروسِ الخطوات لتنفيذ هذه  الأحلام والتمنيات أو ما يُمْكنُ تحقيقُه منها، وإلّا فإنّنا سنكون كَمَنْ  يمخرُ عبابَ بحرٍ هائجٍ بلا سفين أو شراع وبالتأكيد فلنْ يكون مصيرُه سوى  المزيد منْ التّوَهان وربّما الغرق في نهاية المطاف.
 لا يستطيع أحدٌ  أنْ يحرمنا منْ أحلامنا ويمنعنا منْ التقدّم صوبَ تحقيقها فهناك أحلام  جميلةٌ وكثيرة قابلة للتحقيق بمواصفات الواقع كأنْ تكونَ شريكةُ أحلامنا  فتاةً رشيقة القدّ جميلةً إلى درجة تسيل منّا لعاب الفم! 
 أنْ تكون لنا سيّارة (ليس بالضرورة أن تكون غاليةَ الثّمن بسعر باهِظ) لقضاء الحاجات الحياتية والمتطلبات اليومية الضرورية. 
 أن نحلم في أن يأتي أولادُنا أذكياء وأنْ يُوَفَّقوا في حياتهم العملية والوظيفيّة والزوجيّة. 
 يحقُّ لنا أنْ نحلم بألّا تنتكسَ صحّتُنا فَيَحولَ ذلك بيننا وبين  ممارستنا لأعمالنا والمهمات المنتظرة منّا منْ مستلزمات الحياة كأشخاصٍ  فاعلين في المجتمع. 
 يحقُّ لنا أن نحلم بألّا تداهمنا الشيخوخةُ  مبكّراً لتعصفَ بكلّ أغصانِ الحياة الشبابيّة وحيثُ تكونُ الخيبةُ ويكونُ  العجزُ المُحزن! 
 يحقُّ لنا أنْ نحلم بأن لا تقع حروبٌ وصراعاتٌ دمويّة  واغتيالاتٌ واعتقالاتٌ وكوارثُ طبيعيّة في أيّ مكان من العالم (فكلّ  العالم عالمنا وكلّ الناس إخوتنا) 
 يحقُّ لنا أنْ نحلم بعودة الحقّ  المغتَصَب لأصحابِه في كلّ زمان ومكان. يحقّ لنا أنْ نحلم بأنْ نكون أصحّاء  العقل والبَدَن لنساهمَ في تطوير وتقدّم المجتمعات التي نعيشُ فيها.
 وأخيراً يحقّ لنا أنْ نحلمَ بالغد الجميل المشرق الذي يحمل مع نسائمه فرحةَ الحياة وبهجةَ الدنيا.
 لكنْ لا يحقّ لنا ألّا نفكّر بالأحلامِ أبدًا, فأحلامُنا مُلكٌ لنا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الرائع أ/شوكت صفدي/////

"... نسيت وجعي، تعطر حزني بالحرية، نأيت عن أزمنة الشقاء، أزمنة الموت قهراً، وتوقفت معك لحظات الحلم، مبللين بأمطار تشرين ورعود تشرين ورياحه ووريقاته فوق قارعة الطريق القديمة، وعطره الخريفي.. وكانت جميعها تعزف موسيقا رقصتنا !.. جزء مني عاد إلى جسدي، وظل جزئي الآخر يرقص بين أطيافك.. سألتني أن نجعلها ألف عام قادمة.. وقلت، بل أريدها أن لا تنتهي خلود الزمن... لم تنقطع موسيقى الوجود لحظة، ولم ينقطع عزيف المطر والريح فوق النافذة، ونيران الموقد لم تخمد جواري... ومراهقتي التي هربت زمناً، ها هي تركض فوق الطرقات عائدة إلي، ترقص تحت المطر.. وشبابي المهاجر يستقبلني بشعر أشقر.. وطفلي الضائع في الغربة، يرجع من الفرار الى صدري، وإلى حضن وطن.. " يا عطر " . " عطر خريفي : من رواياتي "

بقلم الرائع أ/محمود عمر/////

«شرفة العمر الحزين» *********** عشت عمري كله شتاء وخريف وظللت أحلم كل يوم أن يأتي الربيع وطال بي الانتظار في شرفة العمر الحزين أتدثر بالأمل كلما اشتد بي الصقيع وكلما مر عام أنتظر البشارة تأتي في عام جديد يأتي فيه الربيع مرت الأعوام تباعاً عام خلف عام خلف عام والأيام تزداد قسوة والعمر شيء فظيع كم تمنيت أن يسرع الخطى ولكن الأمنيات عندي مستحيلة في زمن القساوة شنيع لم تشفع عنده طيبة القلب... ولا طيلة الصبر على الأحزان... ولا كثرة جروح الروح وآلام القلب وكأن الفرح علي منيع...!! حتى جاءني سهم الموت في وتين القلب من سند الحياة ممن ادخرته للأيام عوناً وليت الموت وقيع  لأذوق الموت مراراً  وطعم السكرات مرير...!!  أيا موتاً يأبى  يقربني  ألا لك من سبيل أسلكه...؟!  أو باباً أكون له قريع...؟!  لأترك دنيا نكرتني  فكرهت كل ما فيها  فكل ما فيها وضيع  فامدد يدك بكأس المنايا  فكم تجرعت أمر منه...!!  ولم أشتك يوماً  وكن معي خير صنيع...!!  محمود عمر

بقلم الرائع أ/عبد الرحمن القاضي/////

"غَزَليَّة" في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا نَدنوْ مِنْهُ ولا يأتيْنا نُهدِيْ عِطْرَ الحُبِّ إلَيْهِ ويُعَشِّمُنا ويُمَنّيْنا فَرْدٌ مِنْ عائِلَةِ الوَرْدِ يَنْضَحُ فُلّاً أو ياسَميْنا يَضْحَكُ إنْ قد كُنْتُ سَعيداً أو يَبْكِيَ إنْ صِرْتُ حَزيْنا ما في قَلبِيَ إلّا أنْتَ أمّا غَيْرُكَ لا يَعْنيْنا في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا... ! #عبدالرحمن_القاضي