أجْنِحة النَّاصر
النَّاصر الأوَّل
★
يألهون إِلى الضَّمِيرِ ألّا تنخطف منهم سِككهم لرَابِيَةِ العلياءِ حين تُهلِس الفوضىٰ الأكباد ويصير الاِجْتِلال في الوطن الواحد موبق الإخوان في موقدِ النارِ فالجًا عليهم يحدوهم الجفاة كالأنعامِ بحامي الوطيسِ من جلمودِ الفندِ لمَورِ الرّغام حيث وَبِيء السُّقوط في السّلخِ لبقايا رُفاتٍ، رُتام تذرُوها ريحُ الجُولِ، وَيْحٌ أمدخُولُون أكفاءُ أمِ اللّذات اِتَّبَعُوها وعلى النّاس العسف بَل اتَّبعُوا الدّنِيّة لزخرفِ قشرِيَّةٍ ومَا أعتصم بالضَّمِير إلّا الذين رغبوا في الحقِّ وكانُوا للحُرية والكرامة قرابين، ومَا عيل صبرهُم ألّا ينتصِرُون، إذاً قلبوا الأنظمة وخربُوا الجيوش شيع فوضىٰ تدكُ النّاس بوابلِ التَّدمِير ليتساقطوا في شِباك العنكبوت عبيدًا يثقلونهم بالأحمالِ وتصير لهُم الثرواتَ كُلها حكرًا لخزائِنِهم السَّمِينة، فمَهٍ رغبة صراع الموروث الحضارِيِّ لسحقِ الآخر المغاير، حقيقٌ ألّا يرضخ الأحرار في الغشم وألّا تلين لهُم قناة مَهمَا أحلولك العجاج وألّا يُفلّ فيهم العزام، وهلْ من مثلِ العارفِين لتنظيم بأسهم ألّا يحتفوا إِلّا عدوهم غير فعَّالِين سفك دمّ المستضعفِين وعصف الفوضىٰ بَل حماة للنَّاسِ عليهم ندىٰ الأمن وللفتن خمَّادِين، ويؤسفهم الذين خارج الضَّمِير أنّ الجوهرة مغايرة للصّدفة وإنْ نبتت معلولة فيهَا ومتلألِئة فوق عصفِ الرّيحِ لا كالجسدِ لقبضةِ الرَّماد, فليسوا إلّا سِيَّان في مصفوفات أرقام ومعادلات براهين مادِيَّةٍ والمتلاعبُون في سَفسَطةِ الكلامِ لتثبيت مَا لا يطاق قبولهُ من عوالمِ الخفاءِ, لأنَّ الأفضل للدَّالِيَةِ لِقطوفٍ مُتدليةٍ تشذيب أغصانها والنبات الذِي بلا ثمرٍ أنْ يُعزق من الحقلِ وهلْ ممتد بثمرٍ حلوٍ كمُمتدٍ بثمرٍ أعجرٍ أو خمطٍ, فكلٌّ إخوَتِي لا ضَمير فيهِ ميتٌ بَلْ هُوَ قد يكون عن الحاتِنِ متواريًا، والذي يطلبُ النبل لا بدّ هُو فيهِ مقيمٌ، ولا عنهُ إلّا ضآلا أوليس هُو الهَدِي لكُلِّ تائِهٍ وبدونهُ لا يكتمل المُؤمن في التسبيحةِ الإنسِيَّةِ الكبرىٰ.
يألهون إلى الضَّمِير المنتصِرُون وللتوّ يشرق الحقُّ فلا تعمىٰ الأبصار كُنْهَهُ ولا تضلّ السُّفن منارة النّجاة، وإنْ تصدقوا الضَّمِير تبزّوا عدوكُم ليصير رجِيعُ الفوضىٰ عليهِ برَهجِ الطّامِرَةِ ومرِيرَة الهزيمةِ ولتصير عليهِ الوَيْلات والتتبيب.
ألآ إنَّ حجرَ الزاويةِ الضَّميرُ ويحسبهُ الحمقىٰ جامسَ جلمودٍ في المقلعِ ينسفونهُ بمتفجرةٍ مُطعمينهُ الطاحنة لغبارٍ وترابٍ، بَلْ مُستقرّ الرُّوحِ بريحانِ النّفسِ وإشراقِ العقلِ، ومَا يغشاهُ إلّا غليظ القلبِ مقفلا في الرّين كلّهُ في قبضةِ البَغضَاءِ قد أبدلَ الحقَّ بالباطِلِ وَمُنجرشًا في التِّيهِ لضامرةِ التصويح، فلا ارتضاهُ وأقبل رحمتهُ المتأوّد في شهواءِ انقلاباتِ زيغِ الريّحِ مُحلسٌ نفسَهُ وباءَ السَّبيلِ في مكدودةٍ مجردةٍ، اتلاعاتُ هيماءِ تداكّ بهيمِيَّةِ الأنعامِ بعد لاَغبِ حَرٍّ على حوضِ المَاءِ، وَهَل لأحدٍ مَا المنبّهُ إنْ أُعمىٰ عن الضَّمِيرِ فلا منطق صحيح دونهُ لسَّاميةٍ وَمَا ألفيتُ الأكياس إلّا فيهِ لجأوا لكلِّ نصراءِ تواصلٍ لأعاليهم أبصارُ البرّةِ، ألآ طوبىٰ النداءُ نداؤهُ تكثير المكافأة والرّقِي في مَلكُوت الرُّوح غايةُ التنزيهِ عن مصائِبِ النقصِ ودوران الضّلالةِ في أعمالِ الدُّونيّةِ، وكذا التّعميرُ في محبّةِ اِتّحادِ بنيان الإنسَان وتحريّ أجنحة الحقِّ، حُرِّيَّةُ الوصولِ إلى الحِكمَةِ الكليّة في مُعانقةِ النّورِ الجامحِ حول نقطةِ الإشراقِ الأكبرِ في الدَّائِرَةِ النّورانِيّةِ الكامِلةِ، وَهَل أنْكاسُ كذَّابُون وحمقى قد حمقوا وَعي أنفسِهِمْ سِرَّ إِنْسَانٍ من ضَمِيرِهِم يُدرِكُون، هُوَ أقرب لّهُمْ لَوْلا ينتبهُونْ أحياء لا بقايا ظلالٍ على الأرضِ تزحف لحين الأفول.
حجرُ الزّاوِية الضَّمِير فيهِ عناق كلٌّ لنُّورِهِ ولجَمَالِ الآخرين، ولكن لا ثمالات في التّسبيحة على الظاهرِ، أوليس الحريُّ الإنسان لا في القشور بل اللبِّ ولا في الظلام بَلِ الضَّوْء ويكسب العاقل الرَّحمانِيّة لا اللّاعنة وإلّا للعارفِيَّةِ إنْ استطاع عاقل بسموٍّ أيّان مَقِيلا لِمُّستقرةِ العُلويّةِ قرَّةُ الذاتِ فلا يَضِلُّ أو يَغوىٰ وكلٌّ على مَا اعتام الحصاد.
حجرُ الزاويةِ الضَّميرُ فلا اسْتغراب ونكران من الذين تجاوزوا درجة النّضارِ الأصفرِ أو العقيق الأحمرِ أو القطب الدّوارِيِّ، وكذا من الذين اجتازوا أثنِية الدَّهر وأصداءَ الأصدافِ ويعِي الإنسِيُّ مقامَ كلٍّ مِنهُ في خريطةِ الذاتِ فلا أتواهُ أضالِيل عليهِ لا ولا غواية باطلٍ وبُهْتان، إنَّهُ رُوحُ الجهاد الحقانِيِّ على دربِ الحُريةِ والعدالةِ والسَّلام ولِلبناءِ كلهُ ومَا فوقهُ من قبابٍ مختلفةٍ ألوانها وَمَا بَعد الجوناءِ، حقيقٌ إذأ أَلّا يترك أبدًا ضَمِيرَهُ الفهِيمُ إلى اِلتِوَاءات يدرؤها نفسَهُ وإلى ظهرانِيَّةٍ مَا منها مُبصرة مخرجًا أو هادِيَة لمنجاةٍ، بَلْ حقيقٌ المدرِكُ بعض أسرارِ مَاهِيَّةِ الوَاعِية إلّا ويجدُّ وَلَوْ بصعودٍ صعب المُرتقىٰ إلى جوهرِ الضَّمِيرِ أشرقْ بِهِ من بعد حيًّا عليمًا وأعلوا بهِ نصيرًا، وهلْ مِقتهُ إلّا ممثوثة فيهِ لا محيص كَذوبانِ القطرةِ في مآبِ بحرِهَا وحَجَرِ العسجدِ في بيت أتون النّار لحين مُستقرّ، ذلِكُم التأكيد أعزز بهِ كيْلا يغفلَ أحدكم ضميرَهُ لِمَبوأةِ الخسران.
صمت قليلا آدم ثم تابع قائلا :
تعالوا إِخْوَتِي, تعالوا نميزُ السيد الجلاد السَّلاب عن الفقير المستعبد المسلوب ونختارُ ودائما العدل, تعالوا نقف على أرضٍ تحترقُ وسَمَاءٍ تزبد بالغضبِ ومَا بينهُمَا من ظلمة ودخان, على وجع الزمن الأبدي وآهات الأفق الحزين, على الأمس المدمر واللحظة الضَّائِعة والغد المهدور في ريح أغباش الفوضىٰ وُقُوف العاملين لإيجاد السَّلام والصَّفاء والخير, تعالوا يَا إخوَة الإنْسَانِيَّةِ واسكنوا كُنْه الضَّمِير وجوهر القلب, اجتمعوا في واعية العقل, حلقوا في حُرية الرُّوح، كي تكون لنا حياة لا تلوثها السُّمُوم، كي لا تُذبح ذواتنا على مَائِدةِ الطمعِ والغزاة والاِسْتِعباد، كي نكون في إرادة خلق الفكرة وإبداع الفعل لواقعٍ حيٍّ، فهيَّا يا إخوَة أبلج الضِّياءِ ادخلوا إشراق النّور الإنْسِيِّ تكن لكم أجنحة الاِنتِصَار آمِنِينَ، وتلبيكم نِعْمَة الحياة وطمأنينة الرَّحِيل.
حَجَرُ الزَّاوِيَةِ الضَّمِيرُ بَل كنْهُ السِّرِّ الأعظمِ لِلأسْمَىٰ، ليت لا يرتد أحدٌ عنهُ قيد هباءة لأنَّ كلَّ الأثمن للذِي فيهِ يحيَا على الخالصةِ في الجوهرِ وفيهِ بالثباتِ يُقيم، ألآ إنَّ ذلكُم هُو الاِنْتِصَارُ الأعظم.
من كتاب أجنحة الإرادة والاِنتصار لمؤلفه :
المهندس أبو أكبر فتحي الخريشا
تعليقات
إرسال تعليق