قصة قصيرة
الذرة المشوي
تأليف
محمود زيدان حافظ
سارحًا في زحام الطريق والسيارات متكدسة وضجيجها يشق عنان السماء عدت من شرودي الفكري متلفتًا يمني ويساري لتقع عيني عليها تلك السمراء البهية من حازت جمال الكون وضياءه ملامح وجهها طفولية بريئة تخطف الأعين أغمض عيني لأحتفظ بصورتها في خيالي وأبحث في أعماق ذاكرتي عن تلك الأعين لعلي رأيتها ذات يوم فسقط في هوة سحيقة من الزمن
مع بدايات مرحلتي المدرسية ووجدني وسط أقراني متراصين في طابور الصباح نردد الأناشيد والسلام الوطني نظرت بجواري لأري ذات العينان "تهاني"
تحركت السيارات وبدأت المسير وعيني بها معلقة فقد تأخرت كثيرًا على صديقي المنتظر منذ كثير ووجدني بلا إرادة مني أتهادى بسيارتي وألتف عائدًا من جديد لها وأترك سيارتي بعيدًا وبداخلها هاتفي الجوال وأذهب سيرًا لأقف أمامها فلا تنظر لوجهي وسألت
تهاني / أ أمرني حضرتك
أنا / أزيك يا تهاني
رفعت رأسها ونظرت لي طويلًا
تهاني / والله ما كانوا مصدقني
نظرت لها باستغراب ولكنها انحنت لأسفل وأخرجت من بين بقايا عيدان الذرة التي تبيعها وأخرجت مجلة تحتل صورتي واجهتها لتريني إياها فرحة مبتسمة فمدت يدها ثم سحبتها سريعًا وتركت المجلة وسكبت بعض الماء على يديها وغسلتها جيدًا من أثار سواد ذلك الفحم وأخذت تمسح يداها في جلبابها المهترئ ثم تناولت المجلة وأعطتني إيها فتناولتها منها وتبسمت
أنا / الا زلتي تذكريني رغم كل تلك السنوات
تهاني / ومن ينفع ينساك . أنت كنت متميز بطولك وهدومك النظيفة وكمان كنت محبوب من الكل في المدرسة
أنا / ومن اللي ما كانش مصدق ومصدقش أيه ؟
تهاني / بس والسيدة في ظهرك ما تزعل مني
أنا / مش هزعل منك
تهاني / أصلي كنت بتباها بيك وبقولهم أني أعرفك وأنك أنت كمان بتيجي تزورني لما بتفضى ويبقي عندك وقت
وسط نياران الفحم المشتعل وضعت يدها وأخرجت تلك القطعة من الذرة المشوي ووضعتها في أحدى ورقات بقايا الذرة وأعطتها لي وذهبت سريعًا أحضرت مقعد بلاستيكي وقامت بتنظيفه بذات جلبابها وأجلستني بجوارها . مر من أمامنا شخص فندهت عليه
تهاني / ولا يا عضمه مش عاوز تسلم على الباشا
أخذ يتحقق مني قليلًا
عضمه / ده بجد يا بت يا تهاني ده هوا بجد
تهاني / علشان ماتكدبنيش تاني
نهضت شاكرًا تهاني على الذرة الجميلة وتركتهم ورحلت مع ذكرياتي خلال العامين التي كانت فيهم تهاني زميله لنا في الدراسة قبل أن يرغموها والديها على ترك التعليم وكيف كانت متفوقة ونشطة وتحب الجميع وأتذكر ذلك اليوم الذي جاءت فيه والدتها للمدرسة لتسحب ملفها وتنهي علاقة أبنتها بالتعليم وكيف ظللت طيلة الوقت معلق نظري بها حتى غادرت المدرسة وفي ظل شرودي هذا وقبل الوصول لسيارتي أسمع صوت نفير سيارة وكذلك فرملة شديدة والصوت يقترب مني وقبل أن أسترد كامل وعيي وجدني فوق سرير ويجري بي شخصان وصوت تهاني يعلو بالصراخ ليسمحوا لها بالدخول معي فمسكت يد المسعف فأقترب من فمي فهمست له أن يسمحوا لها بالدخول وبالفعل أنهيت الإسعافات ودخلت الغرفة الخاصة لأجدها جالسة على الأرض بجوار السرير فذهبت في نوم عميق ولا أدري ما حدث بعدها ولكني تعافيت وهي بجواري وتركت عملها وتداينت بالمال لتبقي بجواري وكأنني أنا أخر أمل لها في الحياة تتباهى بي بين أقرانها وغادرت المستشفى وتردد عليها كثيرًا ووعدها أن تحتل صورتها مقدمة ذات المجلة .
ومرت أشهر قليلة وذهبت لها في المنزل ودخلت غرفة النوم وأعطيت زوجتي تهاني ذات الجريدة وعليها صورتهما .
تعليقات
إرسال تعليق