قصة قصيرة I "ربيكا "
منذ رحلت حين رحلت ، فقد ظن أنها قد هجرته ظاهرياً فقط ، وأنها قد اختفت لتتحول إلى وجود آخر ، يكون متماساً مع وجوده ، ومتغلغلا فيه ما أمكن دون وضوح أو تبيان .
وكان يقينه أنها منذ رحلت واختفت ، فقد أصبحت موجودة على صورة ما فى محيط حياته ترقبه ، وتشاهد كل ما يفعل لتتيقن من صدقه فى حبها وأن ما منحته له من حياتها ، لم يضع هدراً ، كان متأكداً بدلائل حواسه وشعوره أنها قريبة منه ومن أنفاسه ومن جسمة ومن مكامن شهوته ، كان واثقاً أنها موجودة على صورة ما فى محيط حياته ، ترقبه ، وتشاهد كل ما يفعل بعد أن اختفت ، وأنها قد حجزت لنفسها وبنفسها ؛ مقعد المراقب الذي يختبر مدى جديته فى صدقه فى الحياة ، ومدى صدقه فى حبها حين كانت رهن حياته .
وقد غالبه شعوره حتى سيطر عليه تماماً بأنها قد أصبحت منذ رحيلها ، وبرحيلها العمدي ، أحد الأحياء الذين ظهروا أخيراً فى حياته ، وأنه لهذا فلم يعد هناك داعياً للحزن والعذاب والألم من مفارقتها .. ربما ؛ ربما تكون هى الطبيبة النفسية التى يتلقى علاجه عندها ، وقد أصبحت تتحدث معه بنفس تون صوتها ولكنتها ، وتتفهم كل مشاعره مثلما كانت تفعل هى ، وتدغدغه وتطريه مثلما كانت تفعل هى بالضبط .
وربما تكون هى ؛ هى ، هى القطة الجديدة التي أتت بها أبنته لتؤنسه بها فى وحدته ، بعد أن رفض أن يكون رفيق الوحدة "كلب حراسة" ؛ رغم حاجته إليه ، ليرى به ، ولكنه فضل أن تكون رفيقة الوحدة والظلام قطة جديدة حديثة الميلاد ، وعندما سألته أبنته : "ماذا ستسمي القطة يا بابا ؟" .
وعندما شم من خلال القطة عند لمسها لأول مرة ، رائحة الراحلة ، فقد أجاب على الفور ، أسميها "ربيكا " .
أسماها على الفور "ربيكا" على اسم من رحلت ، فقد كانت فكرته عن حضورها المحيط ؛ بصورة جديدة ، وفى الصورة الجديدة مسيطرة عليه ، أسامها "ربيكا " دون أن يخطر أبنته سبب التسمية ، ولا معنى الأسم ، فقط بينه وبين نفسه فقد أسماها على اسم من رحلت ، ومن كان متأكداً من ظهورها مجدداً فى حياته ، على صورة جديدة .
محمد الصباغ
تعليقات
إرسال تعليق