التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بقلم الرائع أ/فوزي نجاجرة/////


لمتابعي رواية ستشرق الشمس ثانية الحلقة رقم (٩) ، أصدقائي الطيبين ، أتمنى لكم قراءة ماتعة. بعد عصرِ أربعاء ذلك اليومِ، والذي صادفَ مُنتصفَ شهر تموز لعام ١٩٨٢م؛ انطلَقَت الزفةُ من منزلِنا لتجوبَ أَزقةَ القرية، ومن ثم عُدنا إِلَى منزلِ والدِ العَروسِ، وقفتُ على بابِ الخيمة، فشاهدتُ مسعدة بفستاِنها الأَبيَض تتجلى فوقَ المنصَّة، أَرسَلتُ لها سهمًا من قلبي برمشِ عيني، فتبسمت، حينها همستُ في سِري، تباركَ الخلاقُ فيما خلق، ردَّدتُ في سري:
النسوة يرقصن ويغنين
يتمايلن على الشمالِ وعلى اليمين
على بعضهن ثلاثات وأَربعات
وأُخريات يهاهِين ويزغردن بِأَجمل الهيهاويات
الرجال جالسون في الميدان
ينتشون بأَطيب الخرفيات
يتسامرون
والقهوة يشربون
وبين الحين والحين
ينفجرون بأَجمل الضحكات
هذا يقولُ خذ
وذاك يقول هات
حكايات تتبعها حكايات
بانتظار الحناء والنهايات.
أَنهينا حناء العروس
وأَكملنا سهرتنا في بيتنا
بالدبكة على أَنغام اليرغول والنايات
وأَكثر من مائة راقصٍ يدبكون في حلقات
والحادي يبدع أَغاني كفاحية ثورية 
 وأَغاني شعبية وتراثيات
بعضها تمجِّد ظريف الطول
 وعز الدين القسام
 وعبد القادر الحسيني
 وابو زيد الهلالي 
وجورج حبش وياسر عرفات 
تُمجد صمودهم في بيروت 
وتُمجد النبي المصطفى محمد العدناني
 حبيب الأَرض والسماوات 
 صعدت إِلَى سطح البيت
 فرأيت كل أَهلِ قرية صابرين
 فجأةً تحولوا إِلَى مغنيين ومغنيات
 راقصين وراقصات 
 منشدين ومنشدات 
والكل يصدحُ بالزمارات 
 وبالفن الأَصيل من رحمِ أَرقى الحضارات 
ها نحن الشعبُ الْعَرَبِيّ العريق 
 الْفِلَسْطِينِيّون والْفِلَسْطِينِيّات 
 نقاتلُ في فِلَسْطِين وفي جنوب لبنان وبيروت 
نحزنُ ونبكي ونفرح 
حد الشمس والقمر وبأرقى القياسات
 حتى أَبعد النجمات في أعالي السماوات 
استعدادًا لغدٍ.. آت
  كثيرٌ من أَصدقائي المتطوعين من أَيام الدراسةِ في جامعة بير زيت، وكذلك بعض الزملاء المدرِّسين الذين أَعملُ وإِياهم؛ تطوَّعوا بالقيامِ بواجب الضيافة، فَقدموا القهوةَ والشاي والسجائر والعصائر على الناسِ عامةً رجالًا ونساء، وكان هناك قسمٌ من كبار السن يرقصونَ السامر في صَفَّين متقابلين، كل صفٍّ يزيدُ عن خمسة عشر رجلًا، كان الكلُّ فرحانًا وسعيدًا، والكثير من الشباب الوطنيين والثوريين من مختلفِ فصائلِ العمل الوطنيِّ شاركوني فرحتي، إِنه عرسٌ وطنيٌّ بامتياز، وخاصةً أَن قلوبَنا مع أَهلِنا المحاصَرين في بيروت، واستمر الفرحُ حتى الساعة الثانِية بعد منتصف الليل، ثم أَطفأنا الأَنوارَ، وهدأت الحارةُ، وانصرفَ الجميعُ إِلَى بيوتِهم.
                                   *******
      تمددتُ على فراشي، غفوتُ لنصفِ ساعةٍ، ولم تكد جفوني تَسرقُ قسطًا قليلًا من النومِ؛ حتى قفزتُ مفزوعًا ومذهولًا علَى أَصواتٍ همجيةٍ، تضربُ على بابِ بيتنا مثل الرعد، تنهق كالحمير:
- افتخ، افتاااااااااخ، جيش الدفاع الإسرائيلي هون، إذا ما بتفتخ باب، بنفجر كل البيت.
فتح والدي الحاج محمود الباب، واندفع الجنودُ الهمجيون الاسْتِعْمَارِيّون داخلَ المنزل، يدوسون بأَقدامِهم الهمجية هياكل إِخوتي العظمية، ويَنثرون الرعبَ في زواياهُ الداخليةِ والخارجية، بعد أَن حاصروه من الخارجِ بِأَعدادٍ هائلةٍ من العسكر، ثم أَلقوا القبضَ عليَّ، واقتادوني إِلَى الأَسر.
حينَ اقتادَني العساكرُ إِلَى المركبةِ؛ أَدركتُ أن القدرَ قد عبثَ في مصيري، ووجدتُ نفسي في أَسوأ حال، فبدل أَن أُتممَ زواجي من حبيبتي وعروسي مسعدة؛ وجدتُ نفسي بين أَنيابِ الوحش العنصري في الأَسر، وبين أَيدي الجنودِ العنصُريين الظلَمة، الذينَ لا يرحمون، وشعارُهم ومبدَأُهم الذي يدينونَ به هو: (إِن الْعَرَبِيّ المحترمَ هو الْعَرَبِيّ الذي في القبرِ تحت التراب).
بناءً على هذا المبدأ يعاملونَ الإِنسانَ الْعَرَبِيّ، سواءً كان مسلمًا أم مسيحيًّا، أُردنيًّا أَم مصريًّا أَم سوريًّا أَم مغربيًّا أَم فِلَسْطِينِيًّا، إنهم يحاكمونَ العروبة والعربَ كأنهم مسئولون عَما قامَ به الْأُورُوبِّيّون اتجاهَهم من مذابح في الحربِ العالميةِ الثانية.
  جميعنا يعرفُ ويسمعُ عن حياة الأَسرى في سجون الاحتلال الصهيوني العنصري، وباستثناء أَهالي الأَسرى المكلومين والصابرين والمحرومين والمضطهدين من قبل جنود الاحتلال وأَدواته العنصرية القمعيةِ؛ فإن قليلًا من أفراد الشعبِ مَن يعرفُ بالضبطِ حَجمَ المعاناةِ التي يعانيها الْفِلَسْطِينِيّونَ الأَسرَى، وذلك من خلالِ تعذيبِهم للأَسيرِ، ولأُمهِ، وأَبيهِ، وزوجتهِ، وأَبنائِه، وصاحبتهِ، وأَخيه.
فمنذ بدءِ اللحظةِ التي يحاصرون فيها بيتَ الأسيرِ، أَو مكانه؛ تبدأ المعاناةُ، بدايةً من الإِرباك والخوفِ والرعبِ الذي يفرضونه عليه، وعلى من معهُ، سواءً أَفراد أُسرتهِ، أَو أَي أَشخاصٍ هو معهم في مكانِ الاعتقالِ نفسِهِ، وتبدأ غطرستُهم إِذ يستعمِلون بنادقَهم ورشاشاتِهم، وكل ما أوتوا من قوةٍ، في وجهِ الأَسيرِ، إِلَى حين التمكنِ منهُ، والسيطرة عليهِ، واعتقاله في مكانِ وجودِه.
من هذه اللحظةِ تبدأ القصةُ، ويبدأُ الضربُ واللكم بالأَيدي، والأَرجلِ، وأَعقابِ البنادق، بشكلٍ فرديٍّ وجماعيٍّ، فعندما يمسكون بالشخصِ المطلوبِ ينقَضُّون عليه كَقطيعِ وحوشٍ بريةٍ مفترسة، تهاجم غزالًا أَو طيرًا أَو عجلًا، يهاجمونَه بِأَيديهِم، وأَسنانِهم، وأَرجلهم، وهراواتِهم، وكلابِهم، مصحوبةً بالسبابِ والشتائم، والأَلفاظِ النابيةِ المستوردةِ من الأَقطارِ التي جاؤوا منها أَصلًا، يستمرُّ هذا المشهد مع الأَسير منذ وضع الأَصفادِ في يديهِ ورجليهِ، حتى إِيصالِه إِلَى مكانِ الأَسرِ، كل هذا يعدُّ عملية إِحماء وتسخينٍ لما سيواجهُه الأَسيرُ منذ الآن فصاعدًا، إِنني أَكرهُ البحثَ في ذاكرتي عن هذا الملف الأَسود والمُظلم، وهذا النفقِ المعتمِ الذي يشبهُ رحلةَ البطلِ الأُسطوريّ السومري العراقي جلجامش، فقبل أَربع آلاف وخمسمائة سنة؛ قطعَ جلجامش الصحاري ليلَ نهار، متجاوِزًا لهيبَها، ووحوشَها، وأَهوالَها؛ ليصلَ إِلَى بوابةِ جبالِ الأرز، ثم يدخلها في نفقٍ معتمٍ موحشٍ طويل، ليسيرَ فيه لوقت طويلٍ من الزمن، في الظلامِ والبردِ، ليلًا ونهارًا، حتى وصلَ إِلَى رؤيةِ النور، وعندما خرجَ من النفقِ؛ وجدَ بحرًا رهيبًا، مياهُه تأخذ الأَرواحَ، وتُسمى مياه المَوت، وعليه أَلا يلامس هذه المياهَ مطلقًا؛ لذلكَ يضطر إِلَى لبسِ جلودِ الغنم والغزلان، ويركبُ القارب، ويُجدِّفُ به لمسافاتٍ طويلةٍ في الحرِّ والجوع والعطشِ والتعبِ والإِرهاق والإِعياء، ومع نهايةِ المشوار؛ يصبحُ كأنهُ ليس هو؛ من شدة ضعفِه ونحولهِ، وتغيرِ ملامحه، وليس له هدفٌ إِلا أن يعيشَ الحياةَ كما يجبُ، ولكن أنى له ذلكَ!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الرائع أ/عبد الرحمن القاضي/////

"غَزَليَّة" في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا نَدنوْ مِنْهُ ولا يأتيْنا نُهدِيْ عِطْرَ الحُبِّ إلَيْهِ ويُعَشِّمُنا ويُمَنّيْنا فَرْدٌ مِنْ عائِلَةِ الوَرْدِ يَنْضَحُ فُلّاً أو ياسَميْنا يَضْحَكُ إنْ قد كُنْتُ سَعيداً أو يَبْكِيَ إنْ صِرْتُ حَزيْنا ما في قَلبِيَ إلّا أنْتَ أمّا غَيْرُكَ لا يَعْنيْنا في الشامِ غَزالٌ يُغريْنا... ! #عبدالرحمن_القاضي

بقلم الرائع أ/فوزي نجاجرة/////

بقلمي : # أ. فوزي نجاجرة .# من فلسطين حرام...حرام...حرام هذه غزة وفلسطين وارض العروبة والاسلام تباع بين قسيس وشيخ... وحاخام يتقاسمونها في بورصات الرق وملاهي العهر والقمار والأزلام حرام........حرام.........حرام هذا حاكم ذليل جبان مطبع وهذا مستعمر لص متكبر يسرق التاريخ والاوطان كلهم يتقاسمون طبخ السم ونبيذ النهد والنفط يتأمرون على الشعوب وكل الأنام حرام.........حرام...........حرام المستعمر اللص يسير يطير يبحر من المحيط الى الخليج ولا يضام يا عمر ومعاوية ويا معتصم ويا صلاح الدين كلكم خلفتم أوهام قد باع الخلف عزكم ومجدكم ودمائكم في لحظة جبن وانفصام حرام.....حرام.....حرام فبيتي شيدته من عرق جبيني ليأويني ويسترني في قادم.. الأيام وطيور هولاكو هذا الزمان تهدمه في لحظة وتحوله الى ركام حرام..........حرام..........حرام وجنيني وجذوري وديني وتيني وزيتوني وبساتيني تباد بتلذذ وانتقام وفلذة كبدي انبته من ماء العتمة ليعينني في كهولتي على الايام وفي لحظة هاربة يقنصه مجرما مهرا لمومس يطارحها الغرام حرام.......حرام.......حرام وفي عتمة الليل ووضح النهار يجوسون بيوتنا ويهدمونها فوق شيوخنا ونسائنا واطفا...

بقلم الرائعة أ/فاتي رضا////

همس روحي ما زلت لا أراك إلا صفاء.. وبهاء.. ك السماء بيوم صيف حيث تتلألأ النجوم وتتراقص أذرع المجرات ألوانا فرحا... بذلك الإلف البعيد الذي و إن غاب كان له الحضور كما النوارس حين تعانق البحار بعد طول الانتظار ... .....فاتي رضا